أصول بني مزاب ولغتهم ولباسهم
إنّ بني مزاب أمازيغ, و يطلق على الأمازيغ كذلك اسم البربر، و البربر ينقسمون إلى قسمين : البرانس و هم أبناء برنس، و البُتر و هم أبناء
مادغيس الملقب بالأبتر، و هما أخوان ، و من نسل مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام .
كلّ قسم من البرانس و البتر يتفرّع إلى شعوب كثيرة لا تحصى . و أحد شعوب البتر زْنَاتَهْ, و من بين شعوب البرانس كتامة و صناهجة.
يتفرع زناتة إلى خمسة فروع, من بينها وَاسِينْ , و من بطون واسين بنو مرين و بنو راشد وبنو بادين.
و من أفخاذ بادين بنو مزاب المنتسبون إلى مزاب بن بادين بن محمّد بن زَحِّيكْ بن واسين بن يَصْلَتِينْ بن مَسْرَا بن زَاكِيَا بن وَرسِيكْ بن أَدِّيرَتْ بن جَانَا (أو شَانَا) جدّ زناتة .
إذن, فإن بني مزاب من أفخاذ بادين , أحد بطون واسين, الذي هو فرع من فروع زناتة , و زناتة أحد شعوب البُتر, و البُتر أحد قسمي الأمازيغ.
اللغة المزابية أمازيغية قربية جدا من القورارية و الشاوية و الشحلية و النفوسية . من خصائصها إمكان الابتداء بالساكن في مثل الكلمات : تْمَارْتْ , تْفَويْتْ , تْوَارْتْ . و من الخطأ استهلال كتابة هذه الكلمات بهمزة , قياسا على العربية التي تشترط الابتداء بالمتحرك .
و من خصائص اللغة المزابية أيضا اجتماع ساكنين أو أكثر كما في الأمثلة السابقة .
تختلف المزابية عن العربية بكون تاء التأنيث تتصدّر الاسم المؤنّث : تَبَجْنَ, تَزِيرِي . تِشْلِي . و قد يكون المؤنث في المزابية مختوما كذلك بتاء : تْفَاوْتْ , تَايْزِيوْتْ , تَغَلُّوسْتْ .
و الملاحظ أنّ المزابية من جملة اللغات التي لا وجود فيها لصيغة التثنية .
لقد من الله علينا في السنوات الأخيرة بكوكبة من الباحثين المهتمين باللغة المزابية و آدابها وقواعدها, لم يألو جهدا في نفض الغبار عنها و إحياء ما اندثر منها , خاصة عبر إذاعة غرداية الجهوية. وقد عانت هذه اللغة بعد الاستقلال من محاربة الحزب الواحد و النظام الاشتراكي البائد لها, و من تقزيم شأنها من طرف بعض المشايخ, كما عرفت في الخمسينيات من القرن الماضي عقوق بعض
أبنائها الذي كانوا يسخرون ممّن كان يستعمل ـ مثل النساء ـ كلمات تَزَقَّا , اَدَلِي , أَحْبَا...
و اللغة المزابية غنية بالأمثال والحكم التي تغنيك عن الكلام الطويل . و في التراث المزابي قصائد شعرية يتغنّى بها في مناسبات التعاون (تْوِيزَا) كوقت درس الحبوب للفلاحين, و وقت نسج الألبسة و الفرش للنسوة و أشعار أخرى خاصة بالأعراس والأعياد.
و لا ينبغي أن نغفل عن الدور الذي قامت به المرأة في الحفاظ قديما على هذه اللغة قبل أن تكون عرضة للغزو الثقافي المتعدّد المصادر و الوسائل.
أمّا الألبسة التقليدية للرجل البربري عموما فنجد منها القشّابية, وهي أحسن لباس في الشتاء, يقي من الزمهرير إذا تكالب, ومن المطر إذا اشتد, و لا تعوق الحركة. وقد كانت القشابية إلى عهد قريب لا تفارق المزابي في سفره شتاء ولا صيفا.
و من الألبسة التقليدية كذلك البرنس الذي يوضع فوق القندورة. و قد كان إلى الخمسينات من القرن الماضي لا يجرؤ من يحترم نفسه على دخول سوق بني يزقن, وقت رواجها بين العصر و المغرب, من لم يرتد برنسه, و لو كان صبيّا دون الحلم.
و من الألبسة التقليدية أيضا الحائك الصوفي الأبيض الذي يميّز عندنا الطلبة عن العوام في المساجد والمناسبات الدينية والاجتماعية.
و كان من العيب الكبير أن يظهر الرجل عاري الرأس دون أن يضع عليها شاشيّة أو يغطيها بعمامة.
هذا عند الذكور, أما لباس المرأة و الفتاة فكان في القديم مقتصر على ملحفة تستر بها بدنها و أَخَمْرِي تغطي به شعرها و جيبها. هذا داخل البيوت. و إذا أرادت المرأة الخروج إلى الشارع تدثّرت بحائك من الصوف ساتر لجميع البدن مكتفية, للاهتداء في سيرها, بثقب واحد تبصر من خلاله. أمّا الفتاة البالغة غر المتزوّجة فيسمح لها بالكشف عن وجهها.
المصدر : الهُويَّةُ المِزَابِيَّةُ - أهمُّ عناصِرها و تشكُّلُها عبر التاريخ - تأليف : يوسف بن بكير الحاج سعيد - المطبعة العربية 1432 هـ / 2011 م