نظام العشيرة حاليا و اقتراحات شخصيّة في الموضوع
أمام التزايد الديمغرافي و تعدّد جوانب النشاط الاجتماعي, بات من الضرورة تشكيل مكتب على رأس كل عشيرة, توزّع على أعضائه مختلف المهام, و أصبح لكل عشيرة من يمثّلها فيما يسمّى بمجلس أعيان البلدة.
يراعى في اختيار أعضاء المكتب أن يكونوا ذوي سيرة حميدة و صلاح, ذوي ممارسة اجتماعية سابقة, يحسنون تدبير شؤون أسرهم, قادرين على أداء مهمّة ما من مهام المكتب, مقيمين في البلدة, لا تقلّ أعمارهم عن 35 سنة.
هؤلاء الأعضاء ينتخبون لفترة أربع أو خمس سنوات, و يقدّمون حصيلة أعمالهم سنويا في جمعية عامة, دون ذكر أسماء من استفادوا من مساعدات العشيرة, حفظا لكرامتهم.
تركيبة العشيرة و حدود نشاطها :
ممّا يجب ضبطه ضبطا دقيقا تركيبة العشيرة, يجب أن تكون لدى العشيرة قائمة أبناء العائلات المنتمية أصلا إلى العشيرة, خالية من العائلات و الأفراد الذين هاجرو من البلدة و استقروا نهائيا في بلد آخر من مزاب أو خارجه.
على المكتب متابعة الولادات و الوفيات سنويا, لتحيين القائمة. من جهة أخرى, على البلدة أن تتّفق على توزيع إناثها على عشائرها, لضمان انتماء كلّ امرأة و كلّ بنت إلى إحدى العشائر و إحداها فقط, لكي لا تبقى شؤونها مهملة بين العشائر.
في هذا الموضوع, اقترح عليكم اتّفاق لجنة التّنسيق بين عشائر بني يزقن, المؤرخ يوم 6 نوفمبر 1999 , حول تحديد المرأة إلى العشيرة, قصد رعاية كافّة إناث البلدة, إليكم بنود هذا الاتفاق مختصرة :
ـ البنت تنتمي إلى عشيرة والدها ما لم تتزوّج.
ـ المرأة المحصنة تابعة لعشيرة زوجها.
ـ الأرملة تبقى تابعة لعشيرة زوجها.
ـ المطلّقة بدون أولاد ترجع إلى عشيرة والدها.
ـ المطلّقة بأولاد تبقى في عشيرة زوجها.
ـ إذا تزوجت أرملة أو مطلضّقة تنتقل إلى عشيرة زوجها الجديد.
ـ المرأة لمتزوجة مع شخص لا ينتمي إلى إحدى عشائر البلدة تبقى تابعة لعشيرة والدها.
ـ كلّ عشائر البلدة ملزمة بتطبيق هذا الاتفاق.
و بهذه المناسبة أدعوا المنتقلين من بلد إلى آخر في الوادي, على نية الاستقرار, أن يقدّموا طلبا لانخراطهم في إحدى عشائر البلدة, و على الهيئات العرفية فيها تسهيل إدماجهم في هذه التركيبة الاجتماعية, تفاديا لما قد تنجرّ من عواقب سيّئة عن البقاء على هامش المجتمع.
من جهة أخرى, أقترح أن لا يتعدى نشاط العشيرة حدود البلدة, و أن تتولّى شؤون أبنائها خارج الوادي جماعاتُ المزابيين في تلك المدن, تمتينا للرابطة بين المدن السبع و توفيرا للجهود المبذولة.
مهام مكتب العشيرة :
أرى أن تتلخّص مهام شؤون العشيرة نحو أبنائها على الجوانب الاجتماعية و تُتركَ مجالات الثقافة و الرياضة و السياسة لهيئات و جمعيات أخرى, لأن التخصّص من سمات هذا العصر.
إنّ المجال الثقافي قديما تكفّلت به حلقت العزابة, تدريسا في المحاضر و دُور إِرْوَانْ, و تشجيعا لهم بتخصيص أوقاف لهم يستفيدون منها يوميا
في المحاضر و المساجد, وسنويا في مواسم القابر و الأعياد الدينية, و لم تكن العشيرة آنذاك تقوم بمثل ذلك نحو أبنائها. لذلك من الخطأ أن تتولّى اليوم العشيرة تنظيم مناسبات لتوزيع جوائز على المتفوقين في الدراسة من أبنائها و بناتها, أو تنظيم دروس تدعيميه لهم, أو أيّة أنشطة رياضية أو ثقافية أو استجمامية خاصّة بأبنائها, لِما في ذلك ن أثر سيّء على علاقة أولاد البلدة أو الحي, و هم في مستوى هذا العمر.
كيف يستطيع الطفل أن يستوعب فكرة فصله صديقه أو زميله في القسم, أو جاره الذي اعتاد المراجعة معه و اللعب معه, أو ابن أخته أو عمّته أو خالته في المناسبات التي ذكرتها, لمجرّد أنهما من عشيرتين مختلفتين؟
لنرحم صغارنا ولا نشتّتْ أفكارهم بتصرفاتنا التي قد تضرّهم أكثر ممّا تنفعهم, رغم حسن نوايانا وطَيبها. لنتركهم يستغلون مرحلة طفولتهم في انسجام و وئام.
قلت نوفر جهود العشيرة لخدمة الجوانب الاجتماعية لأفرادها, و ما أكثرها ! من أجل ذلك, على المكتب أن يتعرّف على أحوال أفراد العشيرة ذكورها و إناثها, و يضبط قائمة المحتاجين لمساعدتهم, من :
ـ يتامى و أرامل.
ـ مطلّقات و أولاد ضحايا الطلاق.
ـ معوقين فكريا أو حركيا أو سمعيا أو بصريا.
ـ مسنين عجزةٍ أو مصابين بأمراض مزمنة.
ـ عاطلين عن العمل بطالين أو قليلي الدخل.
ـ منحرفين أخلاقيا مبْتَلِينَ بإحدى الآفات الاجتماعية.
ـ تلامذة و طلبة من عائلات معوزة.
ـ بنين و بنات تقدّم بهم السن دون إحصان.
على أعضاء المكتب أن يتجنّدوا للتعرّف على هؤلاء جميعا, و أن يسعوا جاهدين لتقديم المساعدات الضرورية لهم, قصد تحسين أحوالهم النفسية و الصحية و المعيشية, و ذلك بالوقوف إلى جانبهم, و جمع التبرعات و الزكوات و الوصايا لفائدتهم, و إرشادهم إلى استخلاص حقوقهم من الدوائر الرسمية التي يجهلها الكثيرون, أو يتنازلون عن المطالبة بها أمام المشاكل البيروقراطية.
هيئة حكماء العشيرة :
و أعتقد أنه من الضروري تشكيل لجنة من حكماء العشيرة, من بين ذوي الخبرة في معالجة المشاكل الاجتماعية, بالحكمة و السريّة التامّة, تُسند إليهم معالجة حالات الانحراف التي قد تظهر
على بعض أفراد العشيرة, و مهمّةُ إصلاح ذات البين و حلّ الخصومات بين الأزواج و بين الجيران وبين الشركاء و بين الورثة.
هذه الهيئة ينبغي أن يكون عدد أفرادها محدودا جدًّا, و لا تنشر أعمالها إطلاقا في التقرير السنوي للعشيرة, بل تبقى محفوظة في صدور أعضاء اللجنة.
مكتب الشباب :
لا يَمنع ما سبق من الحديث أن تشكّل العشيرة مكتبا من شبابها الذين لم يبلغوا سنّ الخامسة و الثلاثين, مهامهم :
ـ تحسيس الشباب عموما بدَور العشيرة في المجتمع المزابي.
ـ مساعدة مكتب العشيرة على القيام بمهامه عند الحاجة.
ـ إرشاد الشباب للتقوى و الصّلاح و الاستقامة في سلوكهم, و حثُّهم على حضور مجالس الذّكر و الوعظ و الإرشاد.
ـ توعية الشباب بقيمة التحصيل العلمي و الارتقاء في سلّم التعلّم, و باستغلال الوقت فيما يفيد.
ـ تحسيس الشباب للانخراط في الجمعيات الثقافية و الرياضية, و الاستفادة ممّا تقدّمه للشباب.
ـ تنظيم بعض أنشطة ثقافية لفائدة شباب البلدة أو شباب الحي عموما.
قيام مكتب الشباب بهذه المهام الجليلة يسهم في وقاية شباب البلدة عموما من الابتعاد عن الصراط السوي, و يؤهل أعضاء المكتب للاضطلاع مستقبلا بمسؤوليات العشيرة و البلدة و الوطن, و يزرع الألفة و المحبة بين كافة أفراد المجتمع, بعيدا عن التعصّب الْمَقيت الذي يأباه الشرع العزيز, و تأباه النفوس السوية.
الخاتمة :
إذا أردنا البقاء و الحياة الكريمة للمجتمع المزابي العريق, علينا بالمحافظة على النظام العشائري, إلى جانب محافظتنا على بقية هيئاتنا العرفية من حلقات العزابة, و مجالس الأعيان على مستوى المدينة و على مستوى الوادي, و جماعاتنا خارج الوادي, و كذا دعم مؤسّساتنا التربوية الحرة من مدارس و معاهد, و العنايةُ الأكيدة بالمرأة المزابية تربية و تعليما و إحصانا.
هذا ما فتح الله عليّ أن أقوله لكم, أيّها الملأ الكريم. أشكركم على كرم إصغائكم, و أدعوا الله لي و لكم بالسداد و التوفيق, و السّلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
المصدر :الهُويَّةُ المِزَابِيَّةُ - أهمُّ عناصِرها و تشكُّلُها عبر التاريخ - تأليف : يوسف بن بكير الحاج سعيد - المطبعة العربية 1432 هـ / 2011 م