من الإعتزال إلى الإباضية

  • ديانة البربر قبل الإسلام

    image1
    كان قدماء البربر يعتقدون وجود إله يسمونه " عَمُونْ" أو " أَمُونْ " و لكن يرون أنّه ليس له وجود مستقل, وإنّما هو روح تحلّ ببعض الكائنات و المظاهر فيعبدونها. من هذه الكائنات :
    أ ـ الكواكب : كانوا يعبدون منها الشمس والقمر.
    ب ـ الحيوانات : كانوايعبدون الثور والكبش والأفعى والبوم والطاوس والهر.
    ج ـ الروحانيات : كانوا يعتقدون وجود أرواح كالجن في بعض العناصر الطبيعية كالعيون والأحجار والأشجار, يتوسّلون بها لقضاء حوائجهم.
    د ـ الأموات : كانوا يعبدون موتاهم ويقدّسونهم ويخشون غضبهم ومع انتهاء الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا عام 84هـ/703م, اعتنق البربر الإسلام و...

    اقرأ المزيد

  • أوّل مذاهب بني مزاب في الإسلام (المعتزلي)

    image3

    كان وادي مزاب قبل استيطان الاباضية له آهلا بالسكان المعتزلة الواصليين ومن سبقهم يسكنون القرى المندرسة منها مدينة الصوف (أغرم نتلزضيت) في العطف. وكان يسكن بالعطف فريق من المعتزلة ومن أشهر علمائهم بها سليمان بن عبد الجبار وقبره مشهور بها ومقبرة الواصليين مشهورة بها كذلك وهي على حالها إلى يومنا هذا...

    اقرأ المزيد

  • تحوّل بني مزاب من الاعتزال إلى المذهب الإباضي

    image3

    يجمع المؤرّخون على أنّ تحوّل بني مصعب إلى المذهب الإباضي يرجع سببه إلى الدّعوة التي قام بها الدّاعية أبو عبد الله محمّد بن بكر. يقول الشّيخ مطياز: انعقد مؤتمر بأَرِيغْ حوالي 420هـ، للنّظر في مسائل تهمّ الوطن، منها قضيّة اللّاجئين من فلول رعايا بني رستم، رأي المؤتمر على انتداب العلّامة أبي عبد الله بن بكر ليجول في صحراء فوقع اختيارهم على وادي مزاب إلّا أنّه معمور بكثير من المعتزلة واتّفق رأيه على النّزوح إلى هذا الوطن وتعميره بما يصلح سكّانه المعزلة من العلم والألفة وحسن الجوار. وفي عام 422هـ وصل بلدة العطف، الوسط المعمور أكثر من غيره بالمعتزلة. وكان ذلك بعد موت عالم الوطن سليمان بن عبد الجبّار...

    اقرأ المزيد

بنو مزاب المعتزلة الواصلية

أوّل مذاهب بني مزاب في الإسلام (المعتزلي)

كان وادي مزاب قبل استيطان الاباضية له آهلا بالسكان المعتزلة الواصليين ومن سبقهم يسكنون القرى المندرسة منها مدينة الصوف (أغرم نتلزضيت) في العطف. وكان يسكن بالعطف فريق من المعتزلة ومن أشهر علمائهم بها سليمان بن عبد الجبار وقبره مشهور بها ومقبرة الواصليين مشهورة بها كذلك وهي على حالها إلى يومنا هذا.


وقد ذكر علماء السير إن الإمام محمد بن أبي بكر الريفي المتوفى سنة 440 هـ لما جاء من وارجلان موفدا من الرجال الاباضية بها إلى وادي ميزاب نزل بتلامذته مدينة العطف ووجد فيها السكان الواصليين فبنى مسجده سنة 422 هجرية ولا يزال معروفا قائما في العطف إلى يومنا هذا فباشر فيه مهمته التي جاء من اجلها وهي الدعوة إلى المذهب الاباضي والى سير العزابة ونظمها التي يرجع الفضل إليها في بقاء طهارة البيئة وبقاء الدين الإسلامي بجوهره الخالص في هذه الربوع.

اشتهر ابتداء عمرانه وتمدنه وازدهاره بالنشاط العلمي والفكري منذ القرن الثاني الهجري حيث اصبح مهجرا وملاذا للاباضية في نمو وازدياد كلما نالهم حيف أو اضطهاد في قطر آخر وكانت تجاور وادي ميزاب أقطار حالفة بالآهلين كوادي اريغ ووارجلان وهما أقوى عمرانا وأوفر خيرات واكبر عددا غير انهما لم يقويا على صد الغارات التي كانت الحكومات المتوالية على الأقطار المجاورة لهما والقبائل المحيطة بهما تشنها عليهما في تلك العصور المملوءة ظلما وطغيانا وجهلا فكان مآلهما المهاجر إلى وادي ميزاب حيث يجدون فيه شيئا من الآمن والمنعة فاتخذوه مقرا مع النازحين إليه من تيهرت وما يتبعها من البلدان وقد نص على ما ذكره الشيخ أبو إسحاق إبراهيم اطفيش رحمه الله في مجلته القاهرية المنهاج صفحة 157.


كما هاجر إليه كثير من سجلماسة بعد انقراض دولة بني مدرار من الأقطار الأخرى من المغرب الأقصى ومن جربة وجبل نفوسة وغيرها وجلهم قبائل بربرية وفيهم الكثير من العرب.
حتى صار لمجموع الامة بوادي ميزاب وحدة قومية ووحدة سياسية على رغم قحولته واشتداد المحل فيه إذا كان الأمن والراحة فيه اكثر من سواه وهما أنشودة الإنسان بل مطمح كل حيوان وكانت لهم به مؤاخاة دينية وميزة خاصة نظامية تكاد تكون منفردة عن كل ما كان مرتبطا به من الشعوب منذ أواخر القرن الثالث الهجري عند انقراض إمامة الرستميين بشمال إفريقيا كما كانت لهم وحدة لغوية تواضع عليها بربرهم وعربهم بحكم المصاهرة والمساكنة والعلاقة المذهبية.


فبنوا على غرار القرى والمدن المندرسة المدن السبع الحالية أقدمها العطف سنة 402 هـ ثم مليكة ثم غرداية ثم بني يزقن ثم بنورره وهذه متقاربة النشأة وأما القرارة عمرت سنة 1040 هـ وبريان سنة 1070 هـ.

قد كونوا في هذه المراكز من الوادي حضارة وعمرانا بعدما كانت من قبل قاعا صفصفا لم يقو على إنعاش الحياة فيه ساكنوه واختاروها سكنا ووطنا لهم في قلب الصحراء ليكونوا في حصانة من دينهم آمنين من كل هجوم أو اعتداء يجاهدون جهاد صابرا ثقيلا في سبيل العيش بها قانعين بفقر المادة وبقوة الإيمان والحصانة الدينية والأخلاقية.


وجد في بعض مخطوطات قطب الأئمة الشيخ اطفيش الحاج محمد بن يوسف أن أول من وصل من المشائخ الاباضية بوادي ميزاب هو الشيخ بابعيسى العلواني نازحا إليه من الساقية الحمراء بالمغرب.


-----------------------------------------

"*" راجع كتاب الإباضية في موكب التاريخ الحلقة الرابعة للشيخ على يحيى معمر

"*" راجع كتاب دور الميزابيين في التاريخ الجزائر قديما وحديثا لللأستاذ حمو محمد عيسى النوري
عن وادي ميزاب / قوة العزَّابة

عقيدة بني مزاب

   كان قدماء البربر يعتقدون وجود إله يسمونه " عَمُونْ" أو " أَمُونْ " و لكن يرون أنّه ليس له وجود مستقل, و إنّما هو روح تحلّ ببعض الكائنات و المظاهر فيعبدونها[1]. من هذه الكائنات :

أ ـ الكواكب : كانوا يعبدون منها الشمس و القمر.

ب ـ الحيوانات : كانوايعبدون الثور و الكبش و الأفعى و البوم والطاوس و الهر.

ج ـ الروحانيات : كانوا يعتقدون وجود أرواح كالجن في بعض العناصر الطبيعية كالعيون و الأحجار و الأشجار, يتوسّلون بها لقضاء حوائجهم.

د ـ الأموات : كانوا يعبدون موتاهم و يقدّسونهم و يخشون غضبهم.                                

     و مع انتهاء الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا عام 84 هـ / 703 م, اعتنق البربر الإسلام و ساهموا في نشره و نقله إلى جنوب أوروبا, ثمّ إلى وسط أفريقيا.

   الملحوظ أنّ البربر عموما, و بني مزاب على وجه الخصوص, لم يشاركوا من قريب و لا من بعيد في الفتنة الكبرى و وقعة صفين بين علي و معاوية و قضية التحكيم و ما أعقبها من الأحداث الدموية المؤلمة, حيث أنّ إسلامهم تمّ بعد أكثر من أربعين عاما من اغتيال الإمام علي ( كرّم الله وجهه ) . فبأي منطق يلاحق بنو مزاب إلى اليوم بإدانة أجدادهم بقتل الإمام علي؟ إنّما الذي قتله هو عبد الرحمان بن ملجم الحميري بعد معركة النهروان. و كان ذلك في الكوفة بالعراق عام 40 هـ / 660 م .

   إن أول المذاهب الإسلامية التي اختارها بنو مزاب هو مذهب المعتزلة, و كانوا واصلية, نسبة إلى واصل بن عطاء ( 80 – 131 هـ / 700 – 748 م ). يقول القطب طفيش : " و ليس أهل هؤلاء القرى إباضية من أوّل, بل كانوا معتزلة يسافرون إلى تاهرت لقتال الإباضية "[2].

   هذه الحقيقة التاريخية تنفي وجود أيّة صلة ولاء بين بني مزاب و إباضية تاهرت, و اعتبار بني مزاب بقايا الرستميين نزحوا إلى سدراتة و منها إلى وادي مزاب لا أساس له من الصحة, و تصويرهم جماعة من المضطهدين قصدوا الصحراء القاحلة فرارا بمذهبهم, تصوير خاطئ مخالف للواقع[3].

     يجمع المؤرخون على أنّ تحوّل بني مزاب إلى المذهب الإباضي يرجع سببه إلى الداعية أبي عبد الله محمّد بن بكر المتوفّى عام 440 هـ, صاحب نظام الحلقة التي خلّدت ذكره.

   و الجدير بالذكر أنّ استجابة بني مزاب للشيخ أبي عبد الله لاعتناق المذهب الإباضي لم تكن فورية و جماعية, و لم يزُل وجود المذهب المعتزلي من البلاد نهائيا إلاّ بعد حوالي قرن و نصف من الزمن.

   لكن, لئن كانوا بنو مزاب آخر من اعتنق المذهب الإباضي في شمال أفريقيا, فإنهم صاروا الأشد حرصا على التمسّك به و خدمته, خاصة منذ النهضة الفكرية التي عرفها الوادي منذ القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي.

   أمّا علاقتهم ببقية الإباضية في العالم, فما فتئت تتوطّد. بعد أن كانت مقتصرة على مراسلة المشايخ و استقدام بعضهم عند الضرورة القصوى, و خدمة التراث الديني المشترك, أضحت المبادلات الثقافية اليوم أوسع و أشمل, و بعثات الطلاب بين مزاب من جهة, و عمان و زنجبار من جهة أخرى, أكبر دليل على حجمها المتنامي.

   و بالمناسبة, أورد بعض أصول الإباضية التي أرى أن لها تأثيرا مباشرا على سلوك الفرد في المجتمع و على علاقة الإباضية ببقية المسلمين :

أ ـ يتكوّن الإيمان من ثلاثة أركان : الاعتقاد و الإقرار و العمل.

ب ـ الإنسان حر في اختياره, مكتسب لعمله, ليس مجبرا عليه.

ج ـ شفاعة الرسول محمّد صلى الله عليه و سلم قسمان : الشفاعة الكبرى لبدء الحساب و دخول المسلمين الجنة, و الشفاعة الصغرى للمؤمنين الموفّين بزيادة درجاتهم.

د ـ مصير المسلم الذي مات على كبيرة و لم يتب منها, جهنّم خالدا فيها أبدا. و لا فرق في ذلك بين الإباضي و المخالف.

هـ ـ دماء المخالفين حرام إلاّ في حالة حرب أو دفاع عن النفس.

و ـ من حلّ دمه من المسلمين لا يحلّ غنيمة ماله, و لا سبي نسائه و قتل أطفاله, و لا قطع الميراث عنه[4].

ز ـ الخلافة الإسلامية لا يمكن أن تخضع لنظام وراثي, أو تبقى محصورة في قبيلة معيّنة, إنّما يراعى فيها الكفاءة و الاستطاعة.

ح ـ الإباضية لا يرون وجوب الخروج على الإمام الجائر, أمّا جواز الخروج عليه فمشروط بالاستطاعة وعدم الوقوع في أضرار ما هم عليه.

 


[1]ـ - محمّد علي دبوز : تاريخ المغرب الكبير, ج1 , ص 69 .

[2]ـ -الرسالة الشافية, ص 38 .

[3]- انظر علي يحي معمر : الإباضية في موكب التاريخ, الحلقة الرابعة, الجزء الثاني, ص 440 .

[4] ـ علي يحي معمر : الإباضية, ص 57 -71 .

مزاب من الاعتزال إلى الإباضية

تحوّل بني مزاب من الاعتزال إلى المذهب الإباضي

يجمع المؤرّخون على أنّ تحوّل بني مصعب إلى المذهب الإباضي يرجع سببه إلى الدّعوة التي قام بها الدّاعية أبو عبد الله محمّد بن بكر[1] .

يقول الشّيخ مطياز:" انعقد مؤتمر بأَرِيغْ حوالي 420هـ، للنّظر في مسائل تهمّ الوطن، منها قضيّة اللّاجئين من فلول رعايا بني رستم... وقد غصّ أريغ بسكّانه، وبأولئك اللّاجئين، فاقتضى رأي المؤتمر على انتداب العلّامة أبي عبد الله بن بكر ليجول في صحراء جنوب المغرب الأوسط، علّه يجد ما عسى أن يمكن التّفسّح فيه لأولئك اللّاجئين وغيرهم من الإباضية بأريغ. خرج العلّامة برفقة ابنه وغلامه فساحوا بنواحي الجنوب فوقع اختيارهم على وادي مزاب إلّا أنّه معمور بكثير من المعتزلة" ويمضي الشّيخ مطياز قائلا: " رجع الرّأي والمشورة إلى مؤتمر أريغ فانعقد ثانيا، واتّفق رأيه على النّزوح إلى هذا الوطن وتعميره بما يصلح سكّانه المعزلة من العلم والألفة وحسن الجوار. رجع الإمام المصلح هو وابنه وغلامه كأوّل مرّة. وفي عام 422هـ وصل بلدة العطف، الوسط المعمور أكثر من غيره بالمعتزلة... وكان ذلك بعد موت عالم الوطن سليمان بن عبد الجبّار"[2].

ويقول الشّيخ القطب: " وكان يُشَتِّي في أَرِيغْ ويُرَبِّعُ في البراري عند بني مصعب وغيرهم، وكانوا واصلية على مذهب واصل بن عطاء وهم معتزلة فردّ بعضا إلى الوهبية"[3].

ويذكر أنّ استجابة بني مصعب للشّيخ أبي عبد الله محمّد بن بكر لاعتناق المذهب الإباضي لم تكن بالأمر السّهل، إذ قتلوا أحد أبنائه وهو إبراهيم. كما أنّ هذه الاستجابة لا نتصوّر أنّها كانت جماعية وفورية. فقد ظلّ عدد كبير منهم على اعتزاله زمنا. والدّليل على ذلك وجود مقابر للمعتزلة مجاورة للعطف وأَغَرِْمْ أَنْوَادَّايْ لِمَلِيكَة.

والدّليل الثّاني ما رواه الشّيخ مطياز: " في بونورة بناحية ختالة مقبرة من... النّفوسيين، استشهدوا في بعض معارك المعتزلة والنّازحين إلى مزاب، وذلك في أواخر القرن الخامس"[4].

والدّليل الثّالث استفتاء الشّيخ باعبد الرحمن الكُرْتِي للشّيخ أبي عمّار عبد الكافي في مسائل القضاء والقدر، وهو عالم من علماء الخمسين الأولى من القرن السّادس الهجري.

 


[1] _ أبو عبد الله محمّد بن بكر الفرسطائي: كان أبوه وجدّه من علماء جبل نفوسة. درس على مشايخ الجبل ثّم سافر إلى جربة فأخذ العلم عن بعض علمائها، ثّم انتقل إلى القيروان، وكانت حينئذ عامرة بعلماء الإباضية. وبعد ذلك قرّر أن يرجع إلى الإمام ابي نوح سعيد بن زنغيل فعاد إلى جبل نفوسة وبنى هناك مسجده في بلدة فرسطاء. فلمّا انتقل إلى مناطق أريغ أرسل إليه أبو زكرياء فصيل ولديه للتّعليم ثّم للتّحريض على إنجاز نظام الحلقة، وعكف أبو عبد الله على إتمامه اربعة أشهر. فلمّا أتّمه عرضه على المشايخ والتّلاميذ فاستحسنوه. كان ذلك في مسجد تقيوس إلى تنسلي على بعد عشرين كيلو مترا جنوب بلدة تقّرت. وكان كثير التنّقل بحلقته. فقد كان يشتي بأريغ ويربع ببادية بني مصعب، يدعو النّاس إلى المذهب الإباضي وينشر تعاليم الإسلام، بنى مقامه بالعطف عام 422هـ توفّي عام 440 في تينسلي، بليدة أعمر اليوم، وهو كفيف البصر، بعد ان ترك نظام الحلقة الذي خلّد ذكره.

[2] _ تاريخ مزاب، 71-13.

[3] _ الرّسالة الشّافية، 185.

[4]_ تاريخ مزاب، 42.

ديانة البربر قبل الإسلام

ديانة البربر قبل الإسلام

كان قدماء البربر يعتقدون وجود إله يسمونه " عَمُونْ" أو " أَمُونْ " و لكن يرون أنّه ليس له وجود مستقل, و إنّما هو روح تحلّ ببعض الكائنات و المظاهر فيعبدونها[1]. من هذه الكائنات :

أ ـ الكواكب : كانوا يعبدون منها الشمس و القمر.

ب ـ الحيوانات : كانوايعبدون الثور و الكبش و الأفعى و البوم والطاوس و الهر.

ج ـ الروحانيات : كانوا يعتقدون وجود أرواح كالجن في بعض العناصر الطبيعية كالعيون و الأحجار و الأشجار, يتوسّلون بها لقضاء حوائجهم.

د ـ الأموات : كانوا يعبدون موتاهم و يقدّسونهم و يخشون غضبهم.                                

     و مع انتهاء الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا عام 84 هـ / 703 م, اعتنق البربر الإسلام و ساهموا في نشره و نقله إلى جنوب أوروبا, ثمّ إلى وسط أفريقيا.

   الملحوظ أنّ البربر عموما, و بني مزاب على وجه الخصوص, لم يشاركوا من قريب و لا من بعيد في الفتنة الكبرى و وقعة صفين بين علي و معاوية و قضية التحكيم و ما أعقبها من الأحداث الدموية المؤلمة, حيث أنّ إسلامهم تمّ بعد أكثر من أربعين عاما من اغتيال الإمام علي ( كرّم الله وجهه ) . فبأي منطق يلاحق بنو مزاب إلى اليوم بإدانة أجدادهم بقتل الإمام علي؟ إنّما الذي قتله هو عبد الرحمان بن ملجم الحميري بعد معركة النهروان. و كان ذلك في الكوفة بالعراق عام 40 هـ / 660 م .

   إن أول المذاهب الإسلامية التي اختارها بنو مزاب هو مذهب المعتزلة, و كانوا واصلية, نسبة إلى واصل بن عطاء ( 80 – 131 هـ / 700 – 748 م ). يقول القطب طفيش : " و ليس أهل هؤلاء القرى إباضية من أوّل, بل كانوا معتزلة يسافرون إلى تاهرت لقتال الإباضية "[2].

   هذه الحقيقة التاريخية تنفي وجود أيّة صلة ولاء بين بني مزاب و إباضية تاهرت, و اعتبار بني مزاب بقايا الرستميين نزحوا إلى سدراتة و منها إلى وادي مزاب لا أساس له من الصحة, و تصويرهم جماعة من المضطهدين قصدوا الصحراء القاحلة فرارا بمذهبهم, تصوير خاطئ مخالف للواقع[3].

     يجمع المؤرخون على أنّ تحوّل بني مزاب إلى المذهب الإباضي يرجع سببه إلى الداعية أبي عبد الله محمّد بن بكر المتوفّى عام 440 هـ, صاحب نظام الحلقة التي خلّدت ذكره.

   و الجدير بالذكر أنّ استجابة بني مزاب للشيخ أبي عبد الله لاعتناق المذهب الإباضي لم تكن فورية و جماعية, و لم يزُل وجود المذهب المعتزلي من البلاد نهائيا إلاّ بعد حوالي قرن و نصف من الزمن.

   لكن, لئن كانوا بنو مزاب آخر من اعتنق المذهب الإباضي في شمال أفريقيا, فإنهم صاروا الأشد حرصا على التمسّك به و خدمته, خاصة منذ النهضة الفكرية التي عرفها الوادي منذ القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي.

   أمّا علاقتهم ببقية الإباضية في العالم, فما فتئت تتوطّد. بعد أن كانت مقتصرة على مراسلة المشايخ و استقدام بعضهم عند الضرورة القصوى, و خدمة التراث الديني المشترك, أضحت المبادلات الثقافية اليوم أوسع و أشمل, و بعثات الطلاب بين مزاب من جهة, و عمان و زنجبار من جهة أخرى, أكبر دليل على حجمها المتنامي.

   و بالمناسبة, أورد بعض أصول الإباضية التي أرى أن لها تأثيرا مباشرا على سلوك الفرد في المجتمع و على علاقة الإباضية ببقية المسلمين :

أ ـ يتكوّن الإيمان من ثلاثة أركان : الاعتقاد و الإقرار و العمل.

ب ـ الإنسان حر في اختياره, مكتسب لعمله, ليس مجبرا عليه.

ج ـ شفاعة الرسول محمّد صلى الله عليه و سلم قسمان : الشفاعة الكبرى لبدء الحساب و دخول المسلمين الجنة, و الشفاعة الصغرى للمؤمنين الموفّين بزيادة درجاتهم.

د ـ مصير المسلم الذي مات على كبيرة و لم يتب منها, جهنّم خالدا فيها أبدا. و لا فرق في ذلك بين الإباضي و المخالف.

هـ ـ دماء المخالفين حرام إلاّ في حالة حرب أو دفاع عن النفس.

و ـ من حلّ دمه من المسلمين لا يحلّ غنيمة ماله, و لا سبي نسائه و قتل أطفاله, و لا قطع الميراث عنه[4].

ز ـ الخلافة الإسلامية لا يمكن أن تخضع لنظام وراثي, أو تبقى محصورة في قبيلة معيّنة, إنّما يراعى فيها الكفاءة و الاستطاعة.

ح ـالإباضية لا يرون وجوب الخروج على الإمام الجائر, أمّا جواز الخروج عليه فمشروط بالاستطاعة وعدم الوقوع في أضرار ما هم عليه.

يقول الشّيخ دبّوز:" كان للبربر دين وثني جاؤوا به من الشّرق، وكانوا يعتقدون بوجود إله يدبّر هذا الكون، ولكن لا ذات له ترى، وإنّما يتجلّى لهم في المظاهر التي تروعهم بقوّتها، أو بجمالها، أو بغرابتها، فلذلك يعبدون تلك المظاهر.

وهذا الإله الذي يعتقدون أنّه مصدر حياة الكون اسمه (أَمُونْ)، ومظاهره هي الكبش الأقرن القوي، وبعض الحيوانات الأخرى، وبعض الكواكب. فمن الكواكب التي راعتهم بقوّتها وجمالها... الشّمس والقمر".

ويضيف الشّيخ دبّوز قائلا:" من الحيوانات الجميلة التي قدّسوها الطّاوس والحمامة والهرّ... وكانوا يعتقدون أنّ قتلها أو ضربها يلحق بهم أضرارا كثيرة وعاهات كبرى كالجنون والشّلل والصّرع وغيرها"[1].

ونجد أحمد توفيق المدني يتكلّم عن الفينيقيين ويقول:" وقد كان الفينيقيون كالبربر يعبدون الشّمس تحت اسم (بَعْلْ) ويعبدون القمر تحت اسم (تَانِيتْ)"[2].

إنّ كلمة (تَانِيتْ) في الميزابية تجمع على (تِنِتِينْ)، يطلق المفرد حاليا على أوجاع المخاض، بينما يستعمل الجمع للتّعبير عن المشاكل النّفسية التي تتعرّض لها المرأة الحامل في شهور الحمل الأولى، ولا نستعبد علاقتهما بمعتقدات الجاهلية عند أجداد مصعب.

من جهة أخرى فإنّ من عادات المرأة الميزابية رسم خطّ نازل من الجبهة إلى أسفل الأنف بالزّعفران، على وجه العروس يوم زفافها. هذا الرّمز يسمّى (أَمُولْ). ربّما كانت هذه الكلمة اسما للإله (أَمُونْ).

وكان البربر يعبدون موتاهم ويحترمونهم ويخشون غضبهم، وللاتّصال بهم، يصلّون ثمّ ينامون على قبورهم ليتلقوا منهم أوامرهم وناهيهم في المنام. هذه العادة الجاهليّة لا تزال منتشرة في بعض أنحاء المغرب الأقصى وبلاد القبائل بالجزائر. أمّا في الهقّار، فإنّ النّساء يرقدن بجانب القبور لمعرفة أحوال أزواجهنّ الغائبين[3].

من بقايا هذه الاعتقادات في مزاب ما يحرّم البعض على نفسه وذويه من إيقاد النّار في الأعياد الدّينية، وتربية الدّجاج، وإحراق غصون الكروم، وارتداء اللّون الأسود أو الأحمر، طاعة لأجداده الموتى، معتقدا أنّ كلّ مخالفة لهم تلحق به اللّعن النّافذة.

ومثل ما يقع في الهقّار كان ساري المفعول إلى أمد غير بعيد في مزاب فإنّ بعض النّساء كنّ يقصدن موقع قرية تِرِشِينْ وقرية أَ"ْنُونَّايْ المندثرتين، ويستغرقن في نوم عميق، لتلقّى أخبار الغيب في المنام.

من معتقدات البربر أنّ الجنّ ينتقلون جماعات في شكل زوابع الرّيح المثيرة للغبار، فإذا رأوها قالوا هذه جماعة من الجنّ مرّت.

وكان البربر يقدّمون النّذر من الأطعمة والأنعام لبعض الكهوف ويزورونها زرافات ووحدانا، يطيّبون رائحتها بالبخور[4].



[1]ـ محمّد علي دبوز : تاريخ المغرب الكبير, ج1 , ص 69 .

[2]ـ -الرسالة الشافية, ص 38 .

[3]- انظر علي يحي معمر : الإباضية في موكب التاريخ, الحلقة الرابعة, الجزء الثاني, ص 440 .

[4] ـ علي يحي معمر : الإباضية, ص 57 -71 .

[1]_ تاريخ المغرب الكبير_ ج1، 69.

[2]_ الجزائر، 7.

[3]_ حدادو: جريدة الآفاق، 3و4 أوت 1990.

[4]_ تاريخ بني مزاب. دراسة اجتماعية واقتصادية وسياسية. يوسف بن بكير الحاج سعيد. ص9-10