هل يخلف الله وعيــــده !!!
هناك من الناس من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ومن هذه الأماني القول بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعــده ويخلف وعيده وهذا الكلام كلام من لم يتدبر القرآن ولم يصغ إليه بوعي وإدراك مع أنه على الإنسان أن يجعل القرآن نصب عينيه وأمام ناظريه وملء سمعه وبصره وملء قلبه وعقله وأن يجعل القرآن فوق المواريث الفكرية التي ورثها فانه كلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا ريب أن حمل كلام جاء في القرآن الكريم على مجرد المبالغة والتخويف من غير أن يكون وراءه واقع إنما هو اجتراء عظيم على الله تعالى فمن أصدق حديثا من الله "ومن أصدق من الله حديثا" "ومن أصدق من الله قيلا" وأي كلام هو أبلغ من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والله تبارك وتعالى حذر الذين تشبثوا بمثل هذه الأماني بقوله "لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد * يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد"
فالكلمات جمع كلمة لا تبديل لأي كلمة من كلمات الله ولئن كانت كلمات الله لا تبديل لها ومعنى ذلك أنه كل ما أخبر الله سبحانه وتعالى خارجا عن كونه حقا وعن كونه صدقا وعن كونه سيقع ما يتعلق به وما يترتب عليه فلو كان الله سبحانه وتعالى كما قال الكثير من الناس الذين اغترفوا عقيدتهم من مواريث الفكر اليهودي فزعموا أن الله لا يعلم ما يستجد له من الأسباب التي تجعله يخلف الوعيد مع أن هذا القول أيضا فيه نسبة الجهل إلى الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهذا كله مما لا يصح
على أن الذين قالوا بأن الله يخلف وعيده إنما تشبثوا بكلام قالته العرب وذلك إنهم تشبثوا ببيتين روي عن بعض العرب وهما :
ولا يخش ابن العم ما عشت صولتي ****** ولا أنا أخشى صولة المتمرد
وإني وأن أوعدته لمخلـــــف ***** إيعــادي ومنجز موعدي
من هذا الذي قال ذلك ؟ إنما هو من أهل الجاهلية !!! فهل أحكام الله تحمل على العادات التي كانت عليه أهل الجاهلية ؟ على انه لو كان هذا الإنسان من أبر الناس وأتقى الناس وأورع الناس وأفضل الناس وأقرب الناس إلى الله لما كان أن يقاس أمر الله على أمره لأن هذا لو قدرنا انه أمر محمود فانه ولا ريب انه محمود بالنسبة إلى الإنسان الذي يقع في الانفعالات ويتوعد بدون تروي بسبب دافع الانفعال الذي يدفعه إلى الوعيد أما الله سبحانه وتعالى منـزه عن ذلك فهو لا تؤثر عليه الأحوال وهو سبحانه وتعالى يسبب الأسباب ولا تسبب له الأسباب أمر ، فهو وحده يسبب الأسباب وهو قاهر الأسباب والمسببات وهو الحاكم لكل أمر . فأن يكون هنالك سبب يدفع الله تعالى إلى ذلك كما هو شان المخلوق فالمخلوق عندما يتوعد بدون تروي إنما يريد أن يشفي ما في نفسه من الحقد والانفعال والله سبحانه وتعالى أمره بخلاف ذلك فوعيده لا يكون إلا لحكمة ووعده عز وجل لا يكون إلا لحكمة على أن من العرب أيضا من عد إنجاز الوعد من مكارم الأمور التي يترتب عليه الوصف الحسن فقد روي عن أحد شعراء العرب أيضا انه قال:
أن أبا خالد لمعتدل الرأي كريم الأصل والبيت
لا يخلف الوعد ولا الوعيد ولا يبيت من فراءه على فوت
فترون أن الوصف الذي وصف به هذا الموصوف أنه لا يخلف الوعد ولا الوعيد بالنسبة إلى حال الإنسان نفسه فان إخلاف الوعيد قد يكون أمرا محمود وقد يكون أمرا مذموما فهو بالنسبة إلى الإنسان يكون أمرا محمودا عندما يكون هذا الوعيد ناشئا عن انفعالا بدون أن يتروى وإخلافه للوعيد راجع عن الباطل لأنه لو نفذ الوعيد لأدى ذلك إلى ارتكاب الحماقات والباطل لأنه يتوعد من لا يستحق الوعيد أو يتوعد بوعيد يتجاوز ما يستحق المتوعد من عقاب وأن الحال الذي يكون فيها انجاز الوعيد من المحامد فهي أن يتوعد الحاكم القادر أهل الفسوق والفساد الذي يعيثون في الأرض الفساد لردعهم عن فسادهم بما ينزله عليهم من العقوبات فهو أن أخلف هذا الوعيد كان ذلك مما يجري أصحاب الفساد على مواصلة ارتكاب فسادهم والعبث في هذه الأرض مما يؤدي على عدم استقرار الأحوال ويؤدي إلى أن يكون الناس غير آمنين على أنفسهم عندما يكون الحكام الذين يتوعدون المفسدين يخلفون وعيدهم فيهم
ومن المعلوم أن حكم الله تعالى لا تبديل له فقد وعد الله الطائعين ما وعدهم وهو منجز وعده وتوعد العاصين ما توعدهم من العقاب وهو منجز لهم وعيدهم كما يدل على ذلك القرآن على أن عندما يكون الإنسان غير خائف من وعيد الله سبحانه وتعالى لا ريب أنه لا يدرك ولو ذكر لا يدكر فالله سبحانه وتعالى يقول :وذكر بالقرآن من يخاف وعيد" وتقول عز من قائل "سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى" ويقول سبحانه وتعالى "لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فهم غافلون * لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم"
فالذي يخشى الله تبارك وتعالى بالغيب هو الذي يبشر على أن المؤمن يخشى الله تبارك وتعالى في حال استمساكه بطاعة الله ومسارعته إلى أمره ذلك لأن الله تعالى يقول "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بربهم لا يشركون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون" وذلك جاء في الحديث أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سئلت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خشية المؤمن أتكون هذه الخشية عندما يقارف المعصية ؟ أجابها بأنه يخشى الله في حال عمله بالطاعة وتلا هذه الآية "والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" .
نسأل الله تعالى العفو والعافية .
اختاره ونقله لكم أبو مجـــــــاهد