خلود أهل الكبائر في النار

الأدلة الدامغة لخلود أهل الكبائر في النار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله عظيم الشان ناصع البرهان ، أهل الحمد والفضل والثناء ، بيده مقاليد كل شيء وهو على كل شيء قدير . والصلاة والسلام على خاتم رسالة السماء محمد خير ولد آدم صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل والثناء ومن سار على دربهم ونهج نهجهم إلى يوم العرض والجزاء. أما بعد :

فإن الكثير من المسلمين اليوم يظن – وبعض الظن إثم - أن أمة الإسلام أصبحت شعب الله المختار فللمسلم أن يفعل ما يشاء ولن تمسه النار من الوقت إلا برهة ثم يخرج إلى الجنان شريطة أن يكون بالله غير مشرك ، وإن تعدى بعد ذلك الحدود وتاه في وديان المعصية كما يشاء من غير توبة ولا ندم ولا استغفار ، أما غيرنا من الأمم فلهم الخلود في النار ، فأبواب النار لا تنفتح إلا عن فسقة المسلمين! وكأن الشريعة الغراء ما جاءت إلا لإقرار التوحيد فلا حدود ولا قيود ولا حلال ولا حرام. وهذا اعتقاد خطير وإن لم يصرح به - فكيف والخطب الرنانة تصدح على أشرف المنابر صباح مساء تنادي بعقيدة الخروج من النار التي تجرئ الناس على ارتكاب الموبقات وانتهاك الحرمات التي جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة لبيان خطرها وإزهاق شرها.

إن دعوى فائدة التوحيد منفصلاً عن العمل الصالح ما هي إلا {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه } وإلا فإن الله سبحانه وتعالى يقول {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} الكهف. فالتوحيد ليس إلا استهتاراً بالمعبود إن لم يتبع الاعتراف به طاعة مخلصة وتسليم مطلق ، وهو توحيد عرف شأنه مشركو قريش فحاربوا الإسلام بسببه وإلا لما كان هناك عناء من الاعتراف به ثم ارتكاب الموبقات. ألا إن العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ؛ وإلا فإن اليهود موحدون وليسوا بأهل شرك وحفظ القرآن لهم ذلك فميزهم عن المشركين ولم ينادهم إلا بقوله (أهل الكتاب) فهل وجبت لهم الجنة بسبب توحيدهم هذا منفردا ؟! والعجب أنا كأن بأسماعنا وقر فلا نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من اتباع سنن من قبلنا شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى تبعناهم في المعتقدات .

وما وراثة بعضنا لفكرة شعب الله المختار وأن الاختيار قد وقع علينا بعد يهود لنفعل ما نشاء فلا يعذبنا الله إلا قليلاً ثم يغفر لنا فيدخلنا الجنة إلا مثال صارخ على ذلك ، وكأنا لم نسمع لنهيه عليه الصلاة والسلام لنا قائلا : (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) . ليت شعري أنحن خير الأمم لأنا تسمينا بالإسلام أم لأنا نعمل به ؛ أمراً بمعروف ونهياً عن منكر وإيماناً بالله وعملاً صالحا ؟! ألا تنفعنا الأبصار والبصائر لنرى الفرق بين العمل بالإسلام ومجرد الانتماء إليه !. أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم يفرقوا بين القول والعمل انظروا إلى أثرهم في الأرض باق إلى قيام الساعة مع أن كل تشريفهم للدنيا وإشراقها بهم كان في غمضة من الدهر !، فهل يساويه أثر من أتى بعدهم رغم طول الأمد وكثرة العُدد والعَدد ؟‍! فو الله ما ذاك الفرق إلا لأن لسان حال اللاحقين يقول "عملنا أم لم نعمل فمأوانا جنان النعيم ولو بعد حين!!!" فسبحان مقسِّم الأرزاق والعقول !

أيها الناس : ليس بمسلم حقيقي من أقام على سوء العمل وإن دفن في مقابر المسلمين، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نردده بكرة وعشياً قائلا : (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ) متفق عليه. فالمسلم الذي لا يسلم المسلمون من لسانه ويده ليس بمسلم وإن لقلق بلسانه ودوِّن ذلك في جواز سفره. والمهاجر إن لم يترك ما نهى الله عنه فليس بمهاجر وإن كان خارجاً إلى أقصى الأرض بأمر السماء . وأين لنا الفرار من آي الكتاب رابطة{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ربط السبب بالنتيجة ؛ منادية :{والعصر إن الإنسان في خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} قارنة القول بالعمل ؟! أيها الناس ليرض من يرض وليسخط من يسخط فعقيدة الخروج من النار باطلة كاسدة عارية من الحجة والبرهان يهودية الأصل ، ولا شك في حقيقة أنها دخلت في روايات الحديث من تحت أياديهم الخبيثة ، فتسللت في زمان الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤخذ من بعد على أنها مسلمات في كتب الحديث وإن خالفت محكم الكتاب – ويكفيك أن أحد رواة هذه الأحاديث الثقاة اسمه (أبو يوسف إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق) فقد تعني لك الأسماء شيئاً ! ، مع أن آي الكتاب تصرح بخلود أهل الكبائر في نار جهنم وتشنع على عقيدة الخروج من النار بأنها أمنية يهودية كاذبة وبرق خُـلَّب ، وإذا تحدثت عن آكل الربا صرحت بخلوده في النار وإن تكلمت عن قاتل النفس صرحت بخلوده في النار وإن تحدثت عن الزاني صرحت بخلوده في النار ، وعدد طويلاً ، حتى ظهرت فينا نابتة من أهل الدين والشرف تدافع عن الزناة بأنهم سيدخلون الجنة ما داموا لم يجمعوا مع زناهم الشرك وقتل النفس ! فالله الله بالشفقة على المومسات وأهل الفجور؟

وهنا سأنقل طائفة من أقوال الرسول الكريم فيها والله كشف للغمة إن كان للحق من سامع وللحكمة من باحث ، أرجو أن ينظر إليها بعين التمحيص والبحث لا عين التحدي والمكابرة والبحث عن طريقة للروغان حول الحديث فكفى عناداً دهوراً طوالا . وهذه الأحاديث تبين حقيقتين:

أولاها : أن المتشدق بالإسلام ما دام لا يعمل عملاً صالحاً فهو ليس من المسلمين حقيقة وإن تستر تحت أعطافهم ودفن في مقابرهم .

وثانيها: مآل المُصر على الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الحرمان من الجنة. وإليك الأحاديث فانصت بقلب سليم :

1. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا) حديث صحيح رواه أبو داود وأحمد. فهذا بسبب سوء خلقه أخرجه الرسول الكريم من حضيرتنا معاشر المسلمين.

2. (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ) رواه أحمد وأبو داود . والتخبيب هو إفساد المرأة بكراهة زوجها .

3. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَمَنْ سَلَقَ وَمَنْ خَرَقَ ) رواه أبو داود والحالق هنا هو من يحلق رأسه ولحيته عند المصيبة والسالق من يرفع صوته عندها.

4. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وروايات أخرى عند مسلم وغيره بلفظ (غشنا) .

5. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَلا مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ ) رواه أحمد وهذا اللفظ مما تفرد به وفيه رجل مبهم ولكن ذلك مما لا يضيره فللحديث توثيق بأحاديث أخرى كثيرة بأسانيد متينة تلعن المتشبهين من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال ، وهيهات لمن لعنه الله ورسوله أن يدخل الجنة فهو من الرحمة مطرود.

6. (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي فأين الفرار من هذا الحديث الذي يخاطب أهل الإسلام بأن بعضهم سيكون من أهل النار ؟! والملازمة شرط الأهلية ، فأهل النار ينادون {يا مالك ليقض علينا ربك} فيجيبهم {إنكم ماكثون}.

7. (.. وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ..) رواه الترمذي وأحمد وقال الترمذي حديث حسن ، فمرتكبوا الكبائر هؤلاء بغيضين إلى رسول الله بعيدين عنه يوم القيامة ، وليس بغيضاً إلى رسول الله بعيداً عن الرحمة رجل رضي الله عنه ومآله الجنة بعد حين لو كان الأمر كما زعموا !

8. ( بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ) رواه أحمد من عدة طرق ، ونصيب عظيم نصيب من يدخل الجنة ولو بعد عذاب أليم طويل ) .

9. (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أحمد وأبو داود ، وهذا لم يرتكب إلا كبيرة وقد أخرجته من أمة الإسلام أصلاً.

10. (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) رواه البخاري وأحمد ، ومن أبى فقد ارتكب كبيرة بعصيانه الرسولَ صلى الله عليه وسلم وهو لذا لا يدخل الجنَّة .

11. (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) رواه ابن ماجة وهو قوي الإسناد ، اخوته للمؤمنين وقيامه لليل لم ينفعه ولكن الله جعل عمله هباء منثوراً لا وزن له ؛ ومن جعل عمله هباء منثوراً كيف له أن يربح سلعة الله الغالية ؟!

12. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ ) رواه البخاري وعند أبي داود (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ )فقاطع الرحم لا يدخل الجنة وهو مرتكب كبيرة لا شرك.

13. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ )رواه البخاري ومسلم والترمذي ،والقتات هو النمام وفي رواية عند مسلم : (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ )

14. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ) رواه مسلم وأحمد. فالكبيرة حرمته دخول الجنة.

15. ( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) رواه مسلم.

16. ( ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى) رواه النسائي بسند قوي، فانظر هداك الله بعين البصيرة لهؤلاء النفر الذين لا يدخلون الجنة ما سبب حرمانهم منها لا شركهم بل الكبائر.

17. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ ) رواه أبو داود وأحمد والدارمي. وصاحب المكس هو الذي يأخذ الضرائب والعشور بغير حق.

18. ( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ وَلا الْجَعْظَرِيُّ قَالَ وَالْجَوَّاظُ الْغَلِيظُ الْفَظُّ ) رواه أبو داود بإسناد عالٍ ورواه أحمد ، والجعظري الغليظ المتكبر. فسوء أخلاق هؤلاء حرمهم الجنة لا الشرك.

19. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ ) رواه أحمد وابن ماجة. فإدمان الخمر لا الشرك حرم هذا الجنة.

20. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ ) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وطريق عثمان صحيحة ، وسيء الملكة هو من يسيء معاملة خدمه ، وسوء خلقه هذا حرمه الجنة لا الشرك.

21 (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد. فانظر إلى سبب حرمان هذا من الجنة أهو الشرك أم الكبيرة ؟!

22. ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ ) رواه البخاري وعند مسلم (.. وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ ) وفي رواية (إلا أن يتوب) وروى الحديث مالك والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والدارمي وعدد من شئت بعد ، وأسألك أيها القاريء الكريم بالله عليك أن تسائل نفسك : لماذا نصَّ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على وجوب التوبة كشرط لدخول الجنة ؟! أهناك تفسير يستسيغه المنطق السليم غير أن الكبيرة تخلد في النار ما لم تكن هناك توبة ؟!.

23. (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري والدليل في هذا الحديث أن هذه المنكرات هي ذنوب ارتكبها هؤلاء القوم – وهم طائفة من أمة محمد عليه الصلاة والسلام بنص الحديث – أودت بهم هذه الكبائر إلى أن مسخوا قردة وخنازير ! وكيف لخنازير وقردة أن تدخل الجنة من بعد ؟!

24. (مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِي الْآخِرَةِ ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، وانظر هداك الله فهذا لو كان يفعل ما يفعل من خير فإن الحرير عليه حرام في الآخرة كناية عن حرمة الجنة عليه ؛ فلمن دخل الجنة ما اشتهت نفسه {لهم ما يشاؤون فيها} ق.

25. ( مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ ) رواه أحمد بسند متين ، والشاهد في هذا أن كيف لصاحب الكبيرة هذا أن يدخل الجنة من بعد وهو قد حكم الله عليه بالسحق والبعد ؟! وثانيها أن بر الوالدين يحجب من دخول النار فأين تحلة القسم المزعوم ؟!.

26. (كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)رواه البخاري.

27. (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد من طريق ابن عمرو وأبي بكرة وأبي هريرة رضي الله عنهم وإن كانت طريق أبي هريرة ضعيفة فالأخريات يعضدنها.

28. بل ومن الصحابة من يرى خلود بعض أصحاب الكبائر في النار وإن تابوا ، فهذا ابن عباس عند النسائي وغيره بإسناد متين : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ لا وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) قَالَ هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ) وهو يرى خلود قاتل النفس وإن تاب.

29. (خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلا كِتَابُ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَإِذَا فِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلًا وَإِذَا فِيهِ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا وَإِذَا فِيهَا مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلاً)رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد من طريق علي وأنس وعمرو بن خارجة

وهناك أحاديث مستفيضة تذكر الخلود الأبدي في النار لمرتكبي الكبائر كالمنتحر وغيره ، ومراجعتها يسيرة اليوم بل ومعرفة صحيحها من غيره بأجهزة الحاسب وفيها بيان وأي بيان.

ويا أيها الناس تكفينا عن كل قول آية واحدة من كتاب الله سبحانه – لو كنا نسلم لله سبحانه في ما يقول من غير مماحكة –تنادي قائلة {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} السجدة . ونحن نعلم أن كل أهل النار تسول لهم أنفسهم الخروج منها ولكن أنى لهم ذلك {ولهم مقامع من حديد . كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق}الأنبياء. فإذا كان (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ) متفق عليه وفي رواية (فِسْق). أفلا يكون ارتكاب الفواحش فسوقاً يشمل أصحابه الوعيد ؟! ويكفيك منها قوله تعالى : "رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ" آل عمران (92) مع قوله : "إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ" النحل (27) وتقريره أن الفاسق يدخل النار للآيات العامة الموعدة ، وكل من يدخل النار فهو مخزي للآية الأولى ، وكل مخزي كافر للآية الثانية وأيضا الْخِزْيَ في الآية مفرد محلى باللام وهو عام فظهر انحصار جميع الخزي في الكافر .

هذا وأسأل الله العفو والعافية والهدى والتقى والعفاف والغنى وأن يجيرنا من النار ومن الوقوع في معصيته وتعدي حدوده فإنه يقول :{ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}النساء. ويقول :{ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا} الجن. أسأل الله الستر يوم العرض إنه السميع القريب المجيب سبحانه وتعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ملاحظات :

(1) لا يلتبس على امرئ ما يجد في حديث جبريل ( مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ ) فهذا الحديث يعني أن الزنى والسرقة والآثام إلا الشرك لا تمنع من دخول الجنة ما سبق الممات توبة ، ولكن العودة للشرك بعد الإسلام لا تغفر وهو معنى الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} والله أعلى وأعلم. أما اقتراف الزنى وعدم التوبة منه فقد توعد الله سبحانه عليه الخلود في النار {...ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً . إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} الفرقان. ولا عبرة بمن يقول أنه يلزم أن يجتمع الشرك وقتل النفس مع الزنا حتى يكون الخلود في النار فهذا القول بائن العوار ، فالله سبحانه وتعالى قد توعد على جريمة قتل النفس منفردة الخلود في النار {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها } وتوعد على الشرك منفرداً الخلود فلماذا يحتاجان هنا لجمعٍ مع الزنا حتى يكتب الخلود ؟!

(2) هناك من يقول بأن المسلمين سيدخلون النار تحلة القسم ثم يخرجون ، وهذا كلام باطل مردود ، فالله سبحانه وتعالى يقول عن أهل النعيم {أولئك عنها مبعدون . لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون . لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة} وأي مخلوق هذا الذي لا يحزنه دخول جهنم ولو للحظة ؟!! أما الاعتراض بما في سورة مريم من قوله تعالى {وإن منكم إلا واردها} فهو اعتراضُ مَن قرأ قوله تعالى {فويل للمصلين} مبتورة هكذا . فالسياق هناك سياق تهديد ووعيد للكافرين بداية من قوله تعالى {فوربك لنحشرنّهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} وأسلوب الالتفات وتغيير السياق من الغيبة للخطاب أسلوب عربي شهير، وله مقصد بلاغي عظيم فهو قد جاءهنا للمبالغة في التخويف، وقد جاء في مواضع أخرى من القرآن الكريم كقوله تعالى في سورة النساء : {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } ثم التفت القرآن الكريم في نفس الآية إلى المؤمنين أنفسهم تكريماً وتربية وتشريفاً فقال لهم بأسلوب الخطاب المباشر لا الغائب{ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم ..} 102 واقرأ الآيتين بعدها فهما في نفس السياق.

(2) ولا يغرنك ما رواه البخاري في صحيحه: (أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا أَوِ الْحَيَاةِ شَكَّ مَالِكٌ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ) ففي إسناده إسماعيل بن عبدالله وهذا يكفي للحكم على هذا الحديث ، لا كما ادعوا صحة إسناده ، فبعضهم كذَّب إسماعيل هذا بل نصَّ ابن عدي : أنه يروي الغرائب عن خاله مالك كما تجده في تهذيب التهذيب ج1 ص157 طبعة مؤسسة الرسالة .

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فهناك أحاديث صريحة تبين حرمة المسلمين الموفين على النار فلا يدخلوها أبداً كقوله صلى الله عليه وسلم (لا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ أَوْ تَطْعَمَهُ) رواه مسلم فهذه ولا بد شهادة خامرت القلب فصلح فتحركت الجوارح بما يرضي الله وانتهت عماَّ حرَّم فهي لا تدخل النار أبداً، وإلا فإن أحاديث كثيرة كما رأينا تذكر مسلمين هم من أهل النار لم تنفعهم اللقلقة باللسان من دخول النار. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أبو البراء 

Tags: الهوية, عقيدة, الإباضية, فكر, الدين