مزاب من الاعتزال إلى الإباضية

تحوّل بني مزاب من الاعتزال إلى المذهب الإباضي

يجمع المؤرّخون على أنّ تحوّل بني مصعب إلى المذهب الإباضي يرجع سببه إلى الدّعوة التي قام بها الدّاعية أبو عبد الله محمّد بن بكر[1] .

يقول الشّيخ مطياز:" انعقد مؤتمر بأَرِيغْ حوالي 420هـ، للنّظر في مسائل تهمّ الوطن، منها قضيّة اللّاجئين من فلول رعايا بني رستم... وقد غصّ أريغ بسكّانه، وبأولئك اللّاجئين، فاقتضى رأي المؤتمر على انتداب العلّامة أبي عبد الله بن بكر ليجول في صحراء جنوب المغرب الأوسط، علّه يجد ما عسى أن يمكن التّفسّح فيه لأولئك اللّاجئين وغيرهم من الإباضية بأريغ. خرج العلّامة برفقة ابنه وغلامه فساحوا بنواحي الجنوب فوقع اختيارهم على وادي مزاب إلّا أنّه معمور بكثير من المعتزلة" ويمضي الشّيخ مطياز قائلا: " رجع الرّأي والمشورة إلى مؤتمر أريغ فانعقد ثانيا، واتّفق رأيه على النّزوح إلى هذا الوطن وتعميره بما يصلح سكّانه المعزلة من العلم والألفة وحسن الجوار. رجع الإمام المصلح هو وابنه وغلامه كأوّل مرّة. وفي عام 422هـ وصل بلدة العطف، الوسط المعمور أكثر من غيره بالمعتزلة... وكان ذلك بعد موت عالم الوطن سليمان بن عبد الجبّار"[2].

ويقول الشّيخ القطب: " وكان يُشَتِّي في أَرِيغْ ويُرَبِّعُ في البراري عند بني مصعب وغيرهم، وكانوا واصلية على مذهب واصل بن عطاء وهم معتزلة فردّ بعضا إلى الوهبية"[3].

ويذكر أنّ استجابة بني مصعب للشّيخ أبي عبد الله محمّد بن بكر لاعتناق المذهب الإباضي لم تكن بالأمر السّهل، إذ قتلوا أحد أبنائه وهو إبراهيم. كما أنّ هذه الاستجابة لا نتصوّر أنّها كانت جماعية وفورية. فقد ظلّ عدد كبير منهم على اعتزاله زمنا. والدّليل على ذلك وجود مقابر للمعتزلة مجاورة للعطف وأَغَرِْمْ أَنْوَادَّايْ لِمَلِيكَة.

والدّليل الثّاني ما رواه الشّيخ مطياز: " في بونورة بناحية ختالة مقبرة من... النّفوسيين، استشهدوا في بعض معارك المعتزلة والنّازحين إلى مزاب، وذلك في أواخر القرن الخامس"[4].

والدّليل الثّالث استفتاء الشّيخ باعبد الرحمن الكُرْتِي للشّيخ أبي عمّار عبد الكافي في مسائل القضاء والقدر، وهو عالم من علماء الخمسين الأولى من القرن السّادس الهجري.

 


[1] _ أبو عبد الله محمّد بن بكر الفرسطائي: كان أبوه وجدّه من علماء جبل نفوسة. درس على مشايخ الجبل ثّم سافر إلى جربة فأخذ العلم عن بعض علمائها، ثّم انتقل إلى القيروان، وكانت حينئذ عامرة بعلماء الإباضية. وبعد ذلك قرّر أن يرجع إلى الإمام ابي نوح سعيد بن زنغيل فعاد إلى جبل نفوسة وبنى هناك مسجده في بلدة فرسطاء. فلمّا انتقل إلى مناطق أريغ أرسل إليه أبو زكرياء فصيل ولديه للتّعليم ثّم للتّحريض على إنجاز نظام الحلقة، وعكف أبو عبد الله على إتمامه اربعة أشهر. فلمّا أتّمه عرضه على المشايخ والتّلاميذ فاستحسنوه. كان ذلك في مسجد تقيوس إلى تنسلي على بعد عشرين كيلو مترا جنوب بلدة تقّرت. وكان كثير التنّقل بحلقته. فقد كان يشتي بأريغ ويربع ببادية بني مصعب، يدعو النّاس إلى المذهب الإباضي وينشر تعاليم الإسلام، بنى مقامه بالعطف عام 422هـ توفّي عام 440 في تينسلي، بليدة أعمر اليوم، وهو كفيف البصر، بعد ان ترك نظام الحلقة الذي خلّد ذكره.

[2] _ تاريخ مزاب، 71-13.

[3] _ الرّسالة الشّافية، 185.

[4]_ تاريخ مزاب، 42.

Tags: تأريخ, الإباضية