ديانة البربر قبل الإسلام
ديانة البربر قبل الإسلام
كان قدماء البربر يعتقدون وجود إله يسمونه " عَمُونْ" أو " أَمُونْ " و لكن يرون أنّه ليس له وجود مستقل, و إنّما هو روح تحلّ ببعض الكائنات و المظاهر فيعبدونها[1]. من هذه الكائنات :
أ ـ الكواكب : كانوا يعبدون منها الشمس و القمر.
ب ـ الحيوانات : كانوايعبدون الثور و الكبش و الأفعى و البوم والطاوس و الهر.
ج ـ الروحانيات : كانوا يعتقدون وجود أرواح كالجن في بعض العناصر الطبيعية كالعيون و الأحجار و الأشجار, يتوسّلون بها لقضاء حوائجهم.
د ـ الأموات : كانوا يعبدون موتاهم و يقدّسونهم و يخشون غضبهم.
و مع انتهاء الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا عام 84 هـ / 703 م, اعتنق البربر الإسلام و ساهموا في نشره و نقله إلى جنوب أوروبا, ثمّ إلى وسط أفريقيا.
الملحوظ أنّ البربر عموما, و بني مزاب على وجه الخصوص, لم يشاركوا من قريب و لا من بعيد في الفتنة الكبرى و وقعة صفين بين علي و معاوية و قضية التحكيم و ما أعقبها من الأحداث الدموية المؤلمة, حيث أنّ إسلامهم تمّ بعد أكثر من أربعين عاما من اغتيال الإمام علي ( كرّم الله وجهه ) . فبأي منطق يلاحق بنو مزاب إلى اليوم بإدانة أجدادهم بقتل الإمام علي؟ إنّما الذي قتله هو عبد الرحمان بن ملجم الحميري بعد معركة النهروان. و كان ذلك في الكوفة بالعراق عام 40 هـ / 660 م .
إن أول المذاهب الإسلامية التي اختارها بنو مزاب هو مذهب المعتزلة, و كانوا واصلية, نسبة إلى واصل بن عطاء ( 80 – 131 هـ / 700 – 748 م ). يقول القطب طفيش : " و ليس أهل هؤلاء القرى إباضية من أوّل, بل كانوا معتزلة يسافرون إلى تاهرت لقتال الإباضية "[2].
هذه الحقيقة التاريخية تنفي وجود أيّة صلة ولاء بين بني مزاب و إباضية تاهرت, و اعتبار بني مزاب بقايا الرستميين نزحوا إلى سدراتة و منها إلى وادي مزاب لا أساس له من الصحة, و تصويرهم جماعة من المضطهدين قصدوا الصحراء القاحلة فرارا بمذهبهم, تصوير خاطئ مخالف للواقع[3].
يجمع المؤرخون على أنّ تحوّل بني مزاب إلى المذهب الإباضي يرجع سببه إلى الداعية أبي عبد الله محمّد بن بكر المتوفّى عام 440 هـ, صاحب نظام الحلقة التي خلّدت ذكره.
و الجدير بالذكر أنّ استجابة بني مزاب للشيخ أبي عبد الله لاعتناق المذهب الإباضي لم تكن فورية و جماعية, و لم يزُل وجود المذهب المعتزلي من البلاد نهائيا إلاّ بعد حوالي قرن و نصف من الزمن.
لكن, لئن كانوا بنو مزاب آخر من اعتنق المذهب الإباضي في شمال أفريقيا, فإنهم صاروا الأشد حرصا على التمسّك به و خدمته, خاصة منذ النهضة الفكرية التي عرفها الوادي منذ القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي.
أمّا علاقتهم ببقية الإباضية في العالم, فما فتئت تتوطّد. بعد أن كانت مقتصرة على مراسلة المشايخ و استقدام بعضهم عند الضرورة القصوى, و خدمة التراث الديني المشترك, أضحت المبادلات الثقافية اليوم أوسع و أشمل, و بعثات الطلاب بين مزاب من جهة, و عمان و زنجبار من جهة أخرى, أكبر دليل على حجمها المتنامي.
و بالمناسبة, أورد بعض أصول الإباضية التي أرى أن لها تأثيرا مباشرا على سلوك الفرد في المجتمع و على علاقة الإباضية ببقية المسلمين :
أ ـ يتكوّن الإيمان من ثلاثة أركان : الاعتقاد و الإقرار و العمل.
ب ـ الإنسان حر في اختياره, مكتسب لعمله, ليس مجبرا عليه.
ج ـ شفاعة الرسول محمّد صلى الله عليه و سلم قسمان : الشفاعة الكبرى لبدء الحساب و دخول المسلمين الجنة, و الشفاعة الصغرى للمؤمنين الموفّين بزيادة درجاتهم.
د ـ مصير المسلم الذي مات على كبيرة و لم يتب منها, جهنّم خالدا فيها أبدا. و لا فرق في ذلك بين الإباضي و المخالف.
هـ ـ دماء المخالفين حرام إلاّ في حالة حرب أو دفاع عن النفس.
و ـ من حلّ دمه من المسلمين لا يحلّ غنيمة ماله, و لا سبي نسائه و قتل أطفاله, و لا قطع الميراث عنه[4].
ز ـ الخلافة الإسلامية لا يمكن أن تخضع لنظام وراثي, أو تبقى محصورة في قبيلة معيّنة, إنّما يراعى فيها الكفاءة و الاستطاعة.
ح ـالإباضية لا يرون وجوب الخروج على الإمام الجائر, أمّا جواز الخروج عليه فمشروط بالاستطاعة وعدم الوقوع في أضرار ما هم عليه.
يقول الشّيخ دبّوز:" كان للبربر دين وثني جاؤوا به من الشّرق، وكانوا يعتقدون بوجود إله يدبّر هذا الكون، ولكن لا ذات له ترى، وإنّما يتجلّى لهم في المظاهر التي تروعهم بقوّتها، أو بجمالها، أو بغرابتها، فلذلك يعبدون تلك المظاهر.
وهذا الإله الذي يعتقدون أنّه مصدر حياة الكون اسمه (أَمُونْ)، ومظاهره هي الكبش الأقرن القوي، وبعض الحيوانات الأخرى، وبعض الكواكب. فمن الكواكب التي راعتهم بقوّتها وجمالها... الشّمس والقمر".
ويضيف الشّيخ دبّوز قائلا:" من الحيوانات الجميلة التي قدّسوها الطّاوس والحمامة والهرّ... وكانوا يعتقدون أنّ قتلها أو ضربها يلحق بهم أضرارا كثيرة وعاهات كبرى كالجنون والشّلل والصّرع وغيرها"[1].
ونجد أحمد توفيق المدني يتكلّم عن الفينيقيين ويقول:" وقد كان الفينيقيون كالبربر يعبدون الشّمس تحت اسم (بَعْلْ) ويعبدون القمر تحت اسم (تَانِيتْ)"[2].
إنّ كلمة (تَانِيتْ) في الميزابية تجمع على (تِنِتِينْ)، يطلق المفرد حاليا على أوجاع المخاض، بينما يستعمل الجمع للتّعبير عن المشاكل النّفسية التي تتعرّض لها المرأة الحامل في شهور الحمل الأولى، ولا نستعبد علاقتهما بمعتقدات الجاهلية عند أجداد مصعب.
من جهة أخرى فإنّ من عادات المرأة الميزابية رسم خطّ نازل من الجبهة إلى أسفل الأنف بالزّعفران، على وجه العروس يوم زفافها. هذا الرّمز يسمّى (أَمُولْ). ربّما كانت هذه الكلمة اسما للإله (أَمُونْ).
وكان البربر يعبدون موتاهم ويحترمونهم ويخشون غضبهم، وللاتّصال بهم، يصلّون ثمّ ينامون على قبورهم ليتلقوا منهم أوامرهم وناهيهم في المنام. هذه العادة الجاهليّة لا تزال منتشرة في بعض أنحاء المغرب الأقصى وبلاد القبائل بالجزائر. أمّا في الهقّار، فإنّ النّساء يرقدن بجانب القبور لمعرفة أحوال أزواجهنّ الغائبين[3].
من بقايا هذه الاعتقادات في مزاب ما يحرّم البعض على نفسه وذويه من إيقاد النّار في الأعياد الدّينية، وتربية الدّجاج، وإحراق غصون الكروم، وارتداء اللّون الأسود أو الأحمر، طاعة لأجداده الموتى، معتقدا أنّ كلّ مخالفة لهم تلحق به اللّعن النّافذة.
ومثل ما يقع في الهقّار كان ساري المفعول إلى أمد غير بعيد في مزاب فإنّ بعض النّساء كنّ يقصدن موقع قرية تِرِشِينْ وقرية أَ"ْنُونَّايْ المندثرتين، ويستغرقن في نوم عميق، لتلقّى أخبار الغيب في المنام.
من معتقدات البربر أنّ الجنّ ينتقلون جماعات في شكل زوابع الرّيح المثيرة للغبار، فإذا رأوها قالوا هذه جماعة من الجنّ مرّت.
وكان البربر يقدّمون النّذر من الأطعمة والأنعام لبعض الكهوف ويزورونها زرافات ووحدانا، يطيّبون رائحتها بالبخور[4].
[1]ـ - محمّد علي دبوز : تاريخ المغرب الكبير, ج1 , ص 69 .
[2]ـ -الرسالة الشافية, ص 38 .
[3]- انظر علي يحي معمر : الإباضية في موكب التاريخ, الحلقة الرابعة, الجزء الثاني, ص 440 .
[4] ـ علي يحي معمر : الإباضية, ص 57 -71 .
[1]_ تاريخ المغرب الكبير_ ج1، 69.
[2]_ الجزائر، 7.
[3]_ حدادو: جريدة الآفاق، 3و4 أوت 1990.
[4]_ تاريخ بني مزاب. دراسة اجتماعية واقتصادية وسياسية. يوسف بن بكير الحاج سعيد. ص9-10