حملة الإمبراطور الإسباني

الكفاح ضد الحملات الإسبانية

charles Vتواصل تعاون المزابيين المعبر عن صدق الولاء للدولة العلية وإيالتها بالجزائر، فبعد أن خضع عرش الحفصيين بتونس والزيانيين بتلمسان للإسبان، استرسلوا في غزوهم للسواحل المغربية بتوجيه ضربة قاضية للجزائر ما دامت وحيدة مقطوعة المدد من الشرق والغرب. فإذا تم النصر خلا الجو لهم في الحوض الغربي من البحر المتوسط وسهل عليهم بعد ذلك حصار فرنسا حليفة العثمانيين.
ورغم الاستعدادات الكبيرة التي قام بها الإسبان التي استغرقت خمس سنوات ابتداء من احتلال الإمبراطور شارلكان(شارل الخامس) لتونس سنة 1535م. وفي 1540 جاءه الدعم المالي من البابا، واستطاع الإمبراطور أن يؤلب الشعوب المسيحية على المسلمين حتى أعد جيشا ضخما من المتطوعين، وأسطولا حربيا بلغت قطعه 450 قطعة.
 
وفي الوقت الذي حاول فيه شارلكان وقائد حملته (أندريا دوريا) تنفيذ هجومه على الجزائر في 20 أكتوبر 1541م كان الجزائريون بقيادة حسن آغا(9) قد أكملوا كل استعداداتهم لمواجهة العدوان، فتصدوا للعدو بكل ما أوتوا من قوة وإيمان، وأمدهم الله بقوة الرياح والأمواج إلى جانبهم، واضطرب البحر حسب ما تثبته الروايات بما لم يعهد مثله، مما تسبب في عطب الكثير من سفن العدو وانحرافها، وفساد ذخيرته الحربية. وترجع امتيازات الميزابيين فيما رواه الجنرال داماس(10) إلى حادثة مفادها أنه «عندما أبحر الملك شارل الخامس خائبا بعد حملته الفاشلة، راجعا إلى إسبانيا ومخلفا وراءه نحو 4000 قتيل من جيشه، بالإضافة إلى خسائره الفادحة في المعدات الحربية والزاد والخيام، ترك في قلعة الإمبراطور(11) حامية تقدر بحوالي 1000 إسباني، وكانت تقذف يوميا نيران مدافعها على مدينة الجزائر بحيث إن الداي والسكان أصبحوا يعيشون في ضيق كبير، وعندئذ قرر بعض مئات من المزابيين رفع هذه المحنة عن المدينة، وقد اقتحمت هذه المجموعة من المزابيين المسلحين الحامية بعد أن تقمصوا زي النساء الجزائريات(12)، وقتلوا جميع الإسبانيين».
ويذكر داماس أخبارا من روايات شفوية متواترة تتحدث عن اقتحام بعض من رجال إباضيين لحصن الإمبراطور سنة1541م، وتعطي -في نظره- أدق فكرة عن محافظة المسلمين على تخليد وقائع التاريخ.
 
ويمضي داماس في سرد تفاصيل الأحداث بدءا بالتحصينات التي اتخذها الإسبان تحت إشراف ملكهم شاركان على التلال المشرفة على المدينة جنوبا بعد أن تمكنوا من الإنزال على ساحل الجزائر. وشرع الإسبان في قنبلة المدينة بمدافعهم مسببة أضرارا مهولة في الأرواح والممتلكات. وأصبح سقوط مدينة الجزائر محتملا في أي وقت تحت وقع وابل القذائف.
ويذكر داماس أن مجموع المقيمين في المدينة آنذاك من أهالي الجزائر والتجار والحرفيين المزابيين كان وافرا. ويذهب (سيمون بفايفر) إلى تقدير عددهم بحوالي ثمانية آلاف مزابي كانوا مقيمين في مدينة الجزائر، يمارسون، في نشاط كبير، أعمالا مختلفة، فعزم بعض الرجال منهم على إنقاذ مدينة الجزائر من هجمات الإسبان، فتوجهوا إلى الباشا حاكم المدينة وأفصحوا له عن عزمهم فرحب بالمبادرة ووعدهم بامتيازات ومكافآت.
 
عمد هؤلاء الشبان المزابيون إلى حيلة- وفق الرواية المشار إليها- مفادها تنكر هؤلاء الفدائيين في لباس نسوة متنقبات بنقاب كالذي تضعه النساء المغربيات، وتذكر الرواية أنهم حملوا تحت الحياك التي ارتدوها مسدسات مشحونة وخناجر محدودبة النصال مسننة الأشفار. وغادروا مدينة القصبة من « الباب الجديد » في موكب متجهين نحو الموقع المقصود. وعندما رآهم الإسبان من مواقعهم، كفوا عن إطلاق النار، ظانين أن سكان المدينة قرروا الاستسلام وطلب الأمان.
تمكن المهاجمون المتسترون من دخول الحصن دون مشقة، وما إن وطئت قدما آخرهم أرضيته، حتى انقلبوا فجأة إلى الهجوم الخاطف، فأفرغوا أسلحتهم على رجال الحامية من الإسبان، فكانت معركة رهيبة.
وفي حمأة الاشتباك استخدمت شتى أساليب المصارعة بشراسة أسفرت نهايتها عن مقتل آخر مدافع محتل لهذا المركز الحصين، ومصرع العديد من رجال بني مزاب المنتصرين عندئذ وسادة الحصن الجدد، وكان للمزابيين في هذه المقاومة دور هام تمثل في نسف دار البارود وقتل قيادات هامة من الجيش الإسباني المغير.
 

Tags: الهوية, تأريخ, حضارة, الجزائر, جغرافيا