بنو مزاب أحد مركبات الشعب الجزائري

Icon 07

ظلّ بنو مزاب قرونا عديدة هامة في التبادل بين التل و السودان الغربي , مثلما كان مرحلة في التبادل بين قُورَارَه و تْوَاتْ غربا و منطقة وارجلان شرقا.

   و بعد تراجع خط التجارة مع السودان, بعد سقوط مملكة سُنْغَايْ عام 1591 م, اشتدّت حاجة بني مزاب أكثر إلى الهجرة إلى مدن الشمال, و عقدوا علاقات وطيدة مع السلطات العثمانية.

   يقول الشيخ أحمد توفيق المدني : " لمّا كان المزابيون يهاجرون إلى بلاد التل باستمرار قصد التجارة و الكسب فقد اعر تفت قصورهم.. منذ انتصاب الأتراك بالبلاد بالتبعية للديوان.. "[1].

   منحت السلطات العثمانية لبني مزاب بالعاصمة احتكار المجازر و المطاحن والمخابز و الحمّامات, مقابل إمداد الإنكشاريين بما يحتاجونه من اللحوم, و إعارة دوابهم للخدمات البلدية.   

    نظّم الأتراك في العاصمة خمس نقابات للبانيين, منها نقابة المزابيين, و وضعت على رأس كل واحدة منها أمينا, مسؤولا على الأمن النظام داخل نقابته, يمثّلها لدى السلطات الحاكمة, و يحضر المجالس الاستشارية.

     اتّخذ بنو مزاب في كلّ بلدة يكثر إليها ذهابهم إما دارا لنزول مسافريهم مجانا, يطلق عليها دار العرش و فيها قاعة للصلاة, و هي مجهزة بالمرافق و وسائل الطهارة, و إمّا مسجدا, بجوار شقق لنزول المسافرين المزابيين, كما اتخذوا بهذه البلدان مقابر لدفن موتاهم.

   إن المتجر المزابي في الشمال لم يكن مؤسّسة اقتصادية فحسب, و إما كان أيضا خلية اجتماعية تضمّ أرباب الحركة التجارية و المستخدَمين, يتقاسمون العمل و يسكنون محلا واحدا, و يتناولون وجباتهم حول مائدة واحدة, فكل متجر عبارة عن مؤسّسة تربوية.

   و في مقابل انتفاع بني مزاب بوجودهم المتميّز في بلاد التل, كانوا يبدلون النفس و النفيس لحماية سواحل الشمال الأفريقي من أطماع الصليبيين, و يسهمون في صد الغزاة المعتدين بالجهاد المقدّس. رغم قلّة عددهم و عدّتهم.

   لقد استماتوا في الدفاع عن العاصمة ضد الإسبان و ضد الفرنسيين, و الدفاع عن قسنطينة و سهول متيجة, و ضمن صفوف

جيش الأمير عبد القادر و مؤسّساته, ثمّ أمدّوا الشريف محمّد بن عبد الله بالرجال و المؤونة الحربية و المواد الغذائية, و كذلك ثورة أولاد سيدي الشيخ و غيرها.

   و لمّا نشأت الأحزاب السياسية للمطالبة بحقوق الجزائريين, لم يتخلّف بنو مزاب عن الانخراط فيها و تأييد زعمائها. و لعل من المهم أن نذكر أنّ أوّل مجموعة من الخمسة الجزائريين, ألقي عليهم القبض يوم 27 أوت 1937 م من أجل مطالبتهم بالاستقلال, كان فيها المزابيان إبراهيم غرافة و مفدي زكريا إلى جانب مصالي الحاج و مناضلَين آخرين.

   ثمّ إنّه, لمّا اندلعت الثورة التحريرية, لم يتردد بنو مزاب في الالتحاق بصفوفها و تسخير كل إمكانياتها لإنجاحها: البشرية و المالية والسياسية. يقول السيّد لخضر بن طوبال وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة الأولى و الثانية: " ..و كانوا [ المزابيون ] دائما إلى جانب جبهة التحرير الوطني, و لم تحاكم قط مزابيا واحدا على الخيانة و الاجرام .."[2].

   لقد قدّم بنو مزاب , رغم قلّة عددهم, قافلة من الشهداء الحقيقيين, سقطوا في مختلف جهات الوطن من أجل أن تسترجع الجزائر استقلالها.

   و في الميدان السياسي, ناضل بنو مزاب من أجل الوحدة الوطنية, و من أجل بقاء مزاب ضمن الدولة الجزائرية الحديثة, فبعد المشاركة في انتخابات المجلس الجزائري عام 1948 , و حصولهم على مقعد فيه خاص بسكان المدن السبع المزابية, أحبطوا محاولات فرنسا فصل الصحراء الجزائرية عن الشمال أثناء مفاوضات إيفيان.

     و كانت مرحلة ما بعد الاستقلال و بداية التشييد على النهج الاشتراكي مرحلة عسيرة على بني مزاب الذين اتّهموا بالرجعية و البرجوازية, ففرضت الإقامة الجبرية على الشيخ بيوض و اعتقل المجاهد عيسى خبزي و المجاهد محمّد بوكامل و صودرت أملاكهم, و حيل بين الإطارات و التجار المزابين و الانخراط في حزب الدولة الوحيد, و قامت محاولات من طرف السلطات المحليّة لتأميم الأوقاف و المدارس الحرّة و دور العشائر, و تشويه سمعة القائمين على شؤونها.

   لقد نجت المؤسّسات العرفية المزابية العريقة من القمع و التهميش, و هي تتمتّع اليوم في عهد التعدّدية بالاعتراف و المؤازرة محليًّا و وطنيًّا.

……………………………………………..

[1]ـ كتاب محمد عثمان باشا.

[2]ـ محمد بن قاسم ناصر بوحجام : الشيخ بيوض و العمل السياسي, ص153 .