حفَّار القبور
حفَّار القبور:
كلُّنا سائرون إلى الموت: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ﴾، ثمَّ علَّمنا الله كيف نقوم بقبر موتانا في قوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِي سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَادِمِينَ﴾. فكان الانسانُ التلميذَ النجيبَ لأستاذِه الغراب.
واعتبرها المسلم عملاً خيريا، يرجو منها الأجر الجزيل عند الله تعالى، وخدمةً اجتماعية وانسانية، وهي في ذاتِ الوقتِ مهمَّة أو وظيفة صعبةٌ ثقيلة على النفسِ البشريَّة، أن يدفنَ الرجل أخاه في الانسانية ويواري عليه التراب، كصعوبة أن يقبض الطبيب مشرطه ليشقَّ ويشرِّح به جسم أنسانٍ عليه، ولا يفعلها هذا ولا ذاكَ إلاَّ حبًّـا في الميِّت، أو في المريض.
لهذا لا ينتدبُ لهذه المهمَّة إلاَّ أشخاصا يُعَدُّون على أصابع اليد الواحدة من كلِّ مجتمعٍ أو أمَّةٍ أو بلدةٍ، ويبقون همُ القائمون بهذه الفريضة الكفائية نيابة عن الأمَّة، ورفعا لواجبٍ شرعيٍّ عنها، ولولاهم لهلكت الأمة المسلمة.
ولا يتخلَّى أحدُهم عنها بالتقاعد الرسميِّ كالوظيفة، إنَّما يتركها مكرها عندما تمنعه الظروف الصحِّية، الناتجة عن مرضٍ، أو عجزٍ عن شيخوخة؛ كما لا يمنعهم عن القيام بعملهم قــــرُّ شتاءٍ، ولا حـرُّ صيفٍ.
وهذا الرجلُ الخيريُّ، خادمُ الأمواتِ يأخذُ طريقة العمل ونظامه وسِيَـــرَه وأعرافه وأحكامه الشرعية، ممَّن سبقه في الميدان، إذ غالبا ما يكون الواحد منهم مرافقا وملازما للذي سبقَه، فيتعلَّم منه الكثير، من كلِّ ما يتعلَّقُ ويتَّصل بها؛ مثل طولِ وعرضِ وعمقِ القبر، وكيف يوجِّه ساكنه إلى القبلة، وطريقةَ وضع الميِّتِ فيه، ومن يجبُ أو يستحسنُ أن يتولَّى عمليَّة وضع الميِّتِ في القبر، وكيفية تغطية أو وضع التراب عليه، وغير ذلك من الأمور الضرورية لهذه المهمَّة.
فتراهُ يتسارع إلى المقبرة مباشرة من حيث كان، من البيتِ أو من البستان، أو المسجد، أو أيِّ مكانِ آخر من المدينة، بعد أن يصل إليه خبرَ جنازة لأحد المسلمين والمسلمات، عن طريق الاعلان بالمسجد، أو الاتصال به هاتفيا من طرفِ احد أفراد عائلة الميِّت رحمه الله.
نسأل اللهَ تعالى له القبول، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يديمَ مثل هؤلاء الخيِّرين بينَ المسلمين جميعا.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج