هلال شوال العِيد عندما يتّحد في القرية الواحدة هو أكثر ابتهاجا
لا يشك أحد أنّ العِيد عندما يتّحد في القرية الواحدة يكون أكثر ابتهاجا..
لكنّ أمر الثبوت الشرعي لدخول الشهر القمري مسألة قديمة جدا مِن حيث طرحها والاختلاف فيها بين فقهاء المسلمين مِن مختلف المذاهب الإسلامية، بل حتى بيْن فقهاء المذهب الواحد حتى في نفس العصر بل وحتى في نفس البلد...
ومَن يريد الحسْم فيها قولا واحدا إنّما لم يفهم حِكمة الله -تعالى- في أنْ جعل عديد المسائل فيها أدلة مُحتمِلة مِن حيث ثبوتها ومِن حيث دلالتها..
ومَن له أدنى اطّلاع على كتب مختلف الفقهاء سيُدرك ذلك بكلّ جلاء ووضوح إلا عند مَن يُكابِر ويتجاهل...
لذا فلا محيص مِن ترسيخ آداب التعامل في المسائل المُختلَف فيها، مِن تقبّل وجود الاختلاف وعدم التعامل مع يعمل بفتوى تخالف الفتوى التي أعمل بها بصورة وكأنّه شرب الخمر والعياذ بالله تعالى، بل وشارب الخمر -عافانا الله جميعا- مأمورون بالتعامل معه بأدبيات منضبطة حدّدها الشرع العزيز، وليس وفق أهوائنا ونزواتنا وردود أفعالنا...
فبغض النظر عن قناعتي الشخصية في هذه المسألة فإنّي أحترم مَن يعمل بنداء الجهات الرسمية المُخوَّلة بهذا الأمر..
كما أحترم مَن يتحفظ مِن العمل بذلك النداء ويعمل بقناعات فقهية أخرى أفتى بها بعض الفقهاء من مالكية وإباضية وغيرهم
فهنالك مَن يعمل بنظرية اختلاف المطالع.. وقد قال بها مَن قال مِن أهل العِلم جزاهم الله خيرا
وهنالك مَن يعمل بالرؤية بالعين المجردة.. وقد قال بها أيضا مَن قال مِن أهل العِلم جزاهم الله خيرا
وغير ذلك..
فلا يعتب مَن يفطر غدا مثلا على مَن سيكمل العدة ثلاثين..
ولا يعتب مَن يكمل الصيام على مَن يفطر ويبتهد بالعِيد
بل لنترفع ولنتقبل الاختلاف ولنتسامح
وعلى أهل المنابر مسؤولية عظمى في أسلوب خطابهم الفقهي بحيث عليه أنْ لا يرى نفسه الوصي على الأمّة حيث يتحدث لعوام الناس بصورة تجعل الناس يخرجون مِن عنده ناقمين على مَن يعمل بفتوى أخرى خلاف الفتوى التي سمعوها مِنه .. اتّقوا الله في أنفسكم وفي مَن يعمل بخطبكم وفتاواكم...
بل على الفقهاء في المنابر بعد بيان الراجح لديهم في أيّ مسألة فقهية أنْ يُبيّنوا للناس أنّ تلك المسألة اجتهادية ويسع فيها الاختلاف ولا يجوز فيها أيّ تعامل يدل وكأنّ ذلك المختلف قد وقع في إثم وضلالة...
وإلا فأعلونها بصراحة أنّ المسألة الفلانية قطعية، ومِن مسائل الدّين التي لا يجوز فيها الاختلاف حتى بيْن الفقهاء أنفسهم .. عندها سيكون لكلّ حادث حديث..
هذه المسألة نموذج، وغيرها كثير (ومِنها بالمناسبة مسألة الإعلان عن مواقيت الإمساك والإفطار، فالواقع يشهد بعدم التزام معظم مساجد البلدة بالرزنامة الرسمية للوزارة، بل تجد المآذن تعلو بمختلف النداءات والتنبيهات، بحيث يصل الفارق بيْن بعضها إلى عشر دقائق تقريبا)...
وبالمناسبة أحيّي موقف فخامة رئيس الجمهورية (عافاه الله تعالى) الذي كرّس مبدأ الحرية الشخصية في هذه الأمور، بل وعزّز ذلك من خلال التعديلات الدستورية مؤخرا
وأحيّي بالتبع مصالح الوزارة الوصية وكذا مديرية الشؤون الدينية والأوقاف التي تجسد نفس التوجهات الراقية بحمد الله تعالى
إياك يا مَن اقتعنت بالعيد غدا أنْ تسيء ولــــــــــو بإشارة إلى من صادفته غدا صائما
وإياك يا مَن اقتعنت بالصيام غدا أنْ تسيء ولــــــــــو بإشارة إلى مَن صادفته غدا مفطرا مبتهجا بالعيد
بل يا مَن اقتعنت بالعيد غدا حاول أن تراعي مشاعر الصائم واترك زيارته لليوم الموالي إن شاء الله تعالى
ويا مَن اقتعنت بالصيام غدا لا يضرك أنْ تهيء نفسك غدا لإبداء فرحة العيد لمَن زارك غدا مبتهجا بالعيد
علّم الرسول -صلى الله عليه وسلم- صحابته الكرام -رضي الله عنهم- التعامل مع مَن يختلف معهم في الدّين أصلا مِن يهود ونصارى..
فكيف بنا نغلظ في التعامل بيْننا ونحن أبناء دِين واحد بدعوى اختلافنا في اختياراتنا في بعض المسائل الفقهية التفصيلية الظنية الاجتهادية
رجاء لنساهم جميعا في بث هذه الروح حيثما كنّا وذلك بأفعالنا قبل أقوالنا..
رحم الله من علمني هذا ورباني وأدبني عليه .. الأحياء منهم والأموات..
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [سورة هود عليه السلام].