استعملات السعف في وادي مزاب

استعملات السعف في وادي مزاب(01)

Icon 09

يعتبر السعف ورق شجرة النخلة وتختلف شكلها وتصفيف الخوص حسب اختلاف أنواعها. ولفظة "تُوفَّا" في اللسان المزابي اشتق من "تٍيفَاوْتْ" و"تْفَاوْتْ" إذ تستعمل السعفة قديما كمصدر للوقود ولإشعال النار "تْفَاوْتْ". ويمكن أن نوجز هنا أهم ما تحتويه السعفة وما هي الاستعمالات التي تستعمل فيها قديما:

1. السعفة "تُوفَّا" تستعمل لتزريب البساتين ولإيقاد النار إذ تعتبر سريعة الاحتراق. كما تستعمل للتشهير بالأعراس.

2. الكرب "تِيفَزْغَلْتْ" يصنع منها "تَسِيسَفْتْ" محكة تستعمل في المنسج. كما تصنع منها لعبة "تَاحْجُورْتْ" وتستعمل أيضا كوقود للنار تتميز بحفاظها على الحرارة والجمر.

3. النصل من السعفة "تَاغْدَا" تصلح للمنسج ولتزريب البساتين وللتسقيف من فوق الخشب. وتستعمل أيضا لمنع التصاق غطاء "اَلْعَادَتْ" في "رْفِيسْ" الذي يقدمه أهل العروس للزوج في اليوم الثاني للعيد. كما تستعمل لجني التين من الأشجار العالية.

4. الشوك "تَادْرَا" يمسك بها كفن الميت ولتجهيز العروس، وتعتبر قباضة (مَسَّاكْ) القدماء. يصفف فيها الأولاد الفول في عيد "أَبْيَانُو".

5. الخوص "تِيزِيتْ" يسقف بها فوق الخشب والنصل. ويصنع منها:

"تَزَزْوَاتْ" المراوح.

"تِسْنِيتْ" قفة تسع حوالي 8 إلى 9 كلغ من التمر وهي النوط.

"اِسْنِي" تسع حوالي 5 قفاف وهو الجلة.

"اَشْوَارِي" عبارة عن اثنان من "اِسْنَايَنْ" ملتصقين لبعضهم يستعملون غالبا لحمل الخضروات.

"تْكُوفَتْ" قفة صغيرة جدا لا تزيد سعتها على 1 كلغ واحد.

"تَعْصِيرْتْ" حصير الصلاة.

"أَدْفَالْ" إناء من الخوص يستعمل لجمع الحبوب أو استعماله لرحي الدقيق.

"المَكْنَسَتْ" هي عربية مُزِّبَتْ تصلح لكنس المنازل أو لسبغها بالجير.

"تَضَلَّلْتْ" المظلة.

"تَـﭬْنِينْتْ" وعاء يطلى بالقطران من الخارج ويعمر بالماء ليبرد للشرب.

"تَنْدُونْتْ" وعاء يستعمل في تحضير الكسكس وفتل الطعام.

       

 

تنفوست ن توفا تاحلالت(02)

يذكر أحد كبار السِّن عن موقف بقي راسخا في ذهنه لوالدته المرحومة منذ الأربعينات من القرن الماضي حيث شهِد وادي مزاب قَحطًا وجفافا دام لسنوات عديدة، نضبت خلالها آبار البلاد، وماتت الآلاف من النخيل، وكثرت الأمراض بسبب سوء التغذية، وانتشر العَوز والفقر.

كان حينها صبيا ألجأته قسوة الحياة إلى البحث عن عمل يخفف على والدته عناء الاسترزاق، وشظف العيش، وبينما هو جالس خلف أسوار المدينة، إذ بشيخ كبير على دابته يمر عليه ويسأله: ما الذي أجلسك هنا؟ قال الفتى: أنا أبحث عن عمل.

أخذه الشيخ إلى واحته ووظفه هناك، وفي نهاية العمل وبعد مشقة كبيرة قدَّم الشيخ للفتى سعفَ نخيل واحدة كأجرة لجهده، حينها كان سعف النخيل مصدرا هاما للطبخ وتسخين المياه، يستهلك من خزينة الأسرة الشيء الكثير.

دخل الفتى منزله -يعلوه الفرح- وبيده سعف نخيل واحدة ملوحا بها على أمه كي تقر عينها ولا تحزن، أوقفته الأمُّ في الحين كاسرة فرحته وسروره: من أين جئت بها؟ من أعطاها لك؟ هل أخذتها من الشارع؟ ردَّ الفتى أنها أجرة عمله مع داديك فلان.

لفَّت الأمُّ جسدها في الحائك على الفور، ولبست حذاءها، وتوجهت إلى منزل ذلكم الشيخ -على خصاصة وفقر بها-، واستفسرت عن حقيقة عمل ابنها وعن الأجرة التي تلقاها، فكان جوابهم بالإيجاب.

رجعت الأم إلى المنزل، على محياها ابتسامة الرضا والفخر، ممتزجة بدموع الفقر والحاجة، فأوقدت ذلك السَّعف مطمئن قلبها أنَّ ابنها لم يسرق، وأنَّ موقِدها ومأكلها من حلال.

أيُّ مدرسة أنت أيتها الأمُّ المزابية، تتحرَّين الحلال في أحلك الظروف وفي شدة من العيش وتحت وطأة الحاجة إلى ضرورات الحياة؟ بينما يندفع غيرك في أقل من تلك الظروف إلى السرقة والاختلاس أو بيع الشَّرف مقابل دراهم معدودات.

أيُّ رسالة غرستيها في نفس ذلك الابن بموقف عملي صامت، قد يبدو بسيطا لكنه يكتنز من القيم والأخلاق والمبادئ الراسخة ما لا يماثله إلا رسوخ جبال ذلك الوادي الذي احتضنك واحتضنتيه؟

متأكد أنك حينها كنت تجهلين القراءة والكتابة، لكنك كنت على علم ووعي بدورك في الحياة، وفي أعلى درجات الشعور بالمسؤولية.

نعم، هي العقيدة الإباضية لما امتزجت بتراب هذه الأرض واحتمت بجباله، فسقيت بمواقف تربوية صامتة، وأحيطت بسياج من النظم والأعراف، تسهر عليها مؤسسات متكاملة في أدوارها لا تعرف التَّعب ولا الملل، في حركة مستمرة دؤوبة لم توقفها أعتى قوى الاستعمار العالمي، ولا أقصى ظروف الطبيعية...

فضفة من التاريخ القريب لعلَّها تزيح بعض الأتربة المتراكمة على قيمة العمل والجُهد، أو تقلم أغصان الطَّمع والتَّعدي والكسب الحرام من بعض النفوس.

 

 -----------------------------------

(01) كتاب ألفاظ النخلة بالعربية والميزابية، سليمان بن سعيد بكاي، ص18.

(02) صفحة الأستاذ: إبراهيم بن لخضر رمضان على الفايسبوك

المصدر nir-osra.org

Tags: صناعة تقليدية, عادات تقاليد, إقتصاد, زراعة